ومضى "ديموقريطس" بالمذهب الآلي إلى حده الأقصى، ووضعه في صيغته النهائية، فقال: إن كلّ شيء امتداد وحركة فقط.
ولم يستثن النفس الإنسانية ولا الآلهة التي كان يعتقد بها اليونانيّون، فالآلهة في رأيه مركبة من جواهر كالبشر، إلا أن تركيبهم أدقّ، فهم لذلك أحكم وأقدر، وأطول عمراً بكثير، ولكنهم لا يخلدون.
ويقدّم "ديموقريطس" أفكاره هذه آراءً فلسفية، غير مستندة إلى أدلة تؤيدها، ويطرحها ادعاءً تصورياً بلا حجج ولا براهين.
نقد آراء ديموقريطس
لو تأمل ديموقريطس فيما عرض من أفكار ببصيرة نافذة، لكانت كفيلة بنقض مذهبه في أزلية المادية وأبديتها واعتبار أنها هي الوجود كله.
1- أما قوله: إن العدم الكلي المحض لا يمكن أن يتحول إلى الوجود بنفسه، وأن ما هو أزلي لا بد أن يكون أبدياً، فهو قولٌ حقٌّ، برهانه عقلي.
لأن العدم الكلي المحض لا يمكن عقلاً وبداهة أن يتحوّل بنفسه إلى الوجود، فالعدم لا شيء، ويستحيل عقلاً أن يتحول اللاشيء إلى شيء.
وما هو أزلي - أي: واجب الوجود - لا يمكن أن تأتيه حالة يكون فيها ممكناً حتى يقبل فيها العدم.
لكن هذا لا يفيد أزلية المادة، إنما يهدي إلى وجود موجود أزلي هو الذي أوجد المادّة، وخلق الكون بقدرته وعلمه وحكمته واختياره المطلق.
فالمادّة بطبيعتها المتغيّرة والمتحوّلة القابلة للتحليل والتركيب، لا تصلح لأن تكون أزلية، وما ليس أزلياً فهو حادث، وما هو حادث لا بدّ له من مُحْدث.
2- تضمْنت آراؤه أنّ النظام الكوني الرائع، كان نتيجة المصادفة