فإذا تركنا موضوعات النعم والمصائب وأنواع الشرور التي يمارسها الناس بإرادتهم الحرة، والتي اقتضتها في هذه الحياة الدنيا مقتضيات الامتحان الأمثل، وانتقلنا إلى كل ظواهر الوجود الأخرى، فإننا نجد عناية الله ظاهرة في كل شيء.
هل يجد الباحثون في ظواهر الكون الكبير إلا التلاؤم التام بين الأشياء، وبينها وبين حاجات الأحياء؟
أليس لكل داء دواء، ولكل مرض وعلة وسيلة شفاء؟
أليس لكل حيّ ما يناسبه في الأرض من غذاء؟
أليست العناية الربانية هي التي أتقنت كل شيءٍ خلقته، من الذرّة إلى المجرّة. من الخلية إلى جسم الكائن الحيّ كله؟
لقد كفتنا العلوم الكونية المعاصرة المتعمقة التي قام بها العلماء المادّيون، فقد أثبتت بشكل قطعي ظاهرة العناية الربّانيّة، بما لا يدع مجالاً للشك مطلقاً.
فلسنا بحاجة إلى إثباتات عقلية، أو استدلالات نعتمد فيها على الظواهر السطحيّة للكائنات بالرؤية العادية.
وأقول أخيراً:
إن قصور النظر إلى الواقع لا يغير من كمال الواقع شيئاً.
ثانياً: قولهم: أين العناية الربانية في عالم لا يوجد فيه مكان يصلح لسكنى الإنسان إلا جزء ضئيل منه؟ قول سخيف.
* هل استوعب الإنسان الأرض كلها حتى يبحث عن غيرها؟
* إن الأرض كلها لهذه الحياة الأولى ليست أكثر من مختبر، لامتحان الوافدين إليه، وليست هي الجنة المعدة للخلود. فجنات النعيم فيها كل ما يطلب أصحابها، ومزيد لا يخطر على بالهم من فيض فضل الله وجَوده العظيم.