السبب الثاني: أن الألم هو الدافع الأساسي لهذا العالم وحقيقته الجوهرية، وليست اللذة إلا امتناعاً سلبياً للألم.
ورأى أن أرسطو قد أصاب إذْ قال: إنه لا ينبغي للحكيم أن ينشد اللذة، وحسبه أن يتخلص من الألم والشقاء.
كشف علة خطئه هنا
ترجع علة خطئه هنا إلى رؤيته الناقصة الجزئية المحدودة، التي جعلته لا يرى من المشاعر إلا مشاعر الألم والشقاء به.
وقد جرّه إلى هذه الرؤية الناقصة الجزئية، حالته النفسية المكتئبة الشقية، التي جلبها إليه في الحقيقة كفره بالله واليوم الآخر.
مع أن المشاعر التي يحسّ الناس بها جميعاً تتدرج على سلم متعدد الدرجات.
* فأوسطه الراحة والسكينة والطمأنينة، ومن أمثلتها راحة النائم حينما لا تهزّه الرؤى، وراحة الراضي عن الله فيما تجري به مقاديره، والراحة النفسية التي تجلبها صلاة الخاشع.
* وفوق الأوسط من هذا السلم درجات إيجابيات حركة اللذة، وما يصاحبها من سعادة.
* ودون الأوسط من هذا السلم دركات إيجابيات حركة الألم وما يصاحبه من شقاء. وهي دركات متنازلات، بعضها أشدّ من بعض.
* وقد تجتمع مشاعر اللذة والألم في وقت واحد باختلاف مصادرهما، كالزاني الخائف، والمريض المتألم الذي يستمتع بلذة سمع أو بصر أو لمس أو ذوق، فتخفف اللذة من شدة مشاعر الألم، ويخفف الألم من نسبة الإحساس باللذة.
والمفاهيم الإسلامية في القرآن والسنة قد أبانت هذه القسمة الثلاثية للمشاعر الإنسانية.
* فأبانت الأوسط بتعبيراتها عن السكينة والطمأنينة والراحة، منها قول الله عز وجل في سورة (النبأ مصحف/80 نزول) :
{وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً} أي: راحة.
* وأبانت إيجابيات اللذة، ومتَعها في الحياة الدنيا، ونعيمها المقيم في الآخرة.
* وأبانت إيجابيات الألم، ومسّ عذابه في الحياة الدنيا، وشدّته الكبرى لمستحقيه يوم الدين.
ووجود اللذة والألم في الحياة الدنيا ضروريان للامتحان فيها.