عناصر امتحان الإنسان أمام نوازع غضبه، ومطامعه، وأهوائه وشهواته.
ولما كان من أول عناصر امتحان إرادة الإنسان، امتحانها في الاعتقاد بالحق الأكبر الذي تقوم عليه الأدلة الفكرية البرهانية، وهو الله وصفاته وأسماؤه الحسنى، وحكمته في مقاديره، وحقه في طاعته وعبادته، ورجاء ثوابه وخوف عقابه، كان من لوازم هذا الامتحان، أن تكون مع الأدلة الفكرية البرهانية شبهات توضع في الوجود، لتكون بمثابة الغطاء الرقيق على اللغز الغيبي عن الحواس، الواضح للأفكار، ليصلوا إليه عقلياً ووجدانايً، فيؤمنوا به.
أما الإرادة التي لم تستجب لنوازع الكبر ورغبات الفجور، فإنها تستفتي الفكر الحَصيف، المحفوظ والمؤيّد بالفطرة النظيفة، والوجدان السليم، فتطرح الغطاء الرقيق، ولا تعتبره مشكلة في مجال الامتحان، بل تأخذ المضمون الذي هو الحقيقة، وتعتبر الغطاء التمويهي الرقيق من لوازم طبيعة الامتحان الأمثل.
أما الإرادة التي استجابت لنوازع الكبر أو رغبات الفجور في الأرض، فإنها تتخذ من هذا الغطاء الرقيق مشكلة، فتتشبث به لإنكار الحقيقة، التي هي المضمون الذي دلت عليه البراهين العقلية.
أفيترك المضمون الحق من أجل غلالة شبهة، لا تثبت أمام أي فكر باحث، قادر على إيجاد تفسير سليم لها، تجعلها متلائمة مع المضمون؟!
ويمكن أن نقول هنا: إن وجود الحيوانات القاتلة المفترسة في عالم الأحياء، هو غلالة من هذه الغلالات، التي يختبر فيها فكر الإنسان وإرادته، أمام قضية الإيمان بالله عز وجل وبحكمته.
على أن ملك الموت هو قاتل على كل حال، بمعنى أنه قابض للروح، سواء أجاء مع علة مرض، أو مع سكتة قلبية، أو مع سقوط من شاهق، أو مع ضربة سيف، أو مع عضة أنياب حيوانٍ مفترس، أو مع قبضة مخالب طير كاسر، أو في فم حوت آكل، أو مع غير ذلك من قواتل.