عندئذٍ تظهر ثروات جديدة، عمادُها الصناعات الفردية المتطورة أولاً، ثم الصناعات الصغرى التي يستعين أصحابها بعمال وصناع يستأجرونهم فيها.
ويتدخل الوسطاء وهم التجار لجعل هذه المصنوعات في متناول راغبيها، من الذين لهم قدرة على شرائها.
ويجد هؤلاء التجار أن هذه المصنوعات قد جلبت لهم أرباحاً مناسبة، فتتحرك مطامعهم في زيادة الربح، فيمدون مهرة الصناع بالأموال لتحسين صناعاتهم، وتوسيعها، واحتكارها لأنفسهم.
عندئذٍ تظهر المصانع الصغرى، وهو عهد الرأسمالية الأولى، التي يضعف باتساعها سلطان الإقطاع، أو تشترك معه في قوتي المال والسلطان، إذ تجد سبيلها ميسوراً للتأثير على ذوي السلطان الإداري.
وفي هذا العهد يحتال أصحاب رؤوس الأموال بمختلف الوسائل لاستغلال العمال، وتسخيرهم تسخيراً مجحفاً، لا يؤدونهم فيه الأجور المكافئة لأعمالهم.
رابعاً: ثم تخطو المجتمعات البشرية خطوة حضارية صناعية علمية واسعة، ضمن الأوضاع التي يشترك فيها النظامان معاً، "الإقطاع والرأسمالية".
وفعلاً تطورت الصناعات مع تقدم العلوم، ودخلت الآلة الميكانيكية للمصانع، وصارت الآلة الواحدة تغني عن مئات العمال في المصانع. وظهرت الحاجة إلى الأموال الضخمة، لإنشاء المصانع الكبيرة التي ينتج الواحد منها ما ينتجه مئات الألوف من الصناع المهرة.
وهنا اتجهت أطماع أصحاب الأموال لتوظيف أموالهم في إنشاء المصانع التي تدر أرباحاً طائلة، حتى اتجه كثير من الإقطاعيين لبيع قراهم وما يملكون من أرض وعقارات، وتوظيف أثمانها في المصانع، لأنها صارت أكثر عطاء وتثميراً.