فأمره في الدين، وأمره في إمامته وقيادته واجب على المسلمين طاعته، بمقتضى أمر الله.
وقد كلف الله رسوله أن يشاور المؤمنين في القضايا لإدارية والسياسية، والحربية، ولكن ما يشيرون به عليه غير ملزم له، إذا ما أراه الله رأياً آخر غيره أحسن أو أكثر صواباً، سواءٌ أشار به أكثريتهم أو عامتهم. نظراً إلى أن أمره المستقل في كل ما لم ينزل الله به عليه حكماً أمرٌ تجب على المؤمنين طاعته.
فمشاورة الرسول للمؤمنين مشاورة تكريم، ومشاركة في النظر والرأي، لاستبانة مختلف الوجوه والآراء، وفيها أيضاً تدريب لهم على النظر في الأمور العامة السياسية، والإدارية والحربية وغيرها.
ونستدل من عمل الرسول في وقائع القضايا التي شاور فيها أصحابه وعمل برأي أكثريتهم، أنه ما كان يستعمل حقه في عدم الالتزام برأي الأكثرية إلا نادراً.
قال الله عز وجل لرسوله في سورة (آل عمران/3 مصحف/89 نزول) :
{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} .
أي: وشاورهم فيما جعل الله لك من أمر، وكلفهم طاعتك.
وهذه المشاورة غير الملزمة للرسول بأن يعمل بما يشيرون به عليه، هي فيما أرى من خصائص الرسول، ولست أرى من الصواب تعميمها، خلافاً لما أخذ به فريق من الفقهاء. أما أمراء المؤمنين وولاة أمروهم بعد الرسول فينطبق عليهم فيما أرى حكم قول الله عز وجل {وأمرهم شورى بينهم} وهو يدل على أن الشورى وما يصدر عنها ملزمة لهم، كما سيأتي.
* * *