نام کتاب : كيف ندعو الناس نویسنده : قطب، محمد جلد : 1 صفحه : 127
وهذه الملايين التي دخلت في الإسلام بغير إكراه، إنما دخلت فيه حين رأته ممثلاً في بشر يعتنقونه ويمارسونه بالفعل، بشر تربوا على حقيقة الإسلام، فترجموه إلى واقع مشهود يعجب الناظرين إليه، فتهفو له قلوبهم فيدخلون فيه. ولو لم يكونوا على هذه الصورة الوضيئة ما دخل الناس في الدين الجديد بهذه الكثرة في ذلك الزمن القصير، ولو غلبوا في ميدان القتال، فالسيف قد يفتح الأرض، ولكنه لا يفتح القلوب وإذا كان الله يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (آل عمران: 159) ، وهو رسول الله، فكيف بالبشر الفاتحين إذا لم يكونوا على خلق قويم؟
إن تحول شعوب بأكملها إلى الإسلام في تلك اللمحة الخاطفة من الزمان لهو أثر من آثار تلك التربية الفذة التي ربي عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك القاعدة الصلبة، التي أولاها رعايته وعنايته، لتكون ستاراً لقدر الله يفعل بها الله ما يشاء سبحانه: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} (الصف: 9) .
ولم تكن روعة الفتح محصورة في دخول تلك الأمم في الإسلام بهذه السرعة الخاطفة، ولكن كانت كذلك في العدل المثالي الذي تعامل به المسلمون - الذين رباهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإسلام - مع البلاد المفتوحة، حتى مع من بقي على دينه منهم، وقصة عمر رضي الله عنه مع والد الشاب القبطي الذي ضربه ابن عمرو بن العاص بالعصا شهيرة في التاريخ، وكلمته التي قالها لعمرو: ((يا عمرو متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً)) شهيرة كذلك، وفذة في التاريخ
ولم تكن هذه وتلك هي حدود تلك الروعة الهائلة، فقد كان دخول أمم بأكملها في اللسان العربي - دون إكراه - عجيبة لا مثيل لها في التاريخ، فقد نسيت تلك الشعوب لسانها، حتى من بقي منهم على دينه، وصارت لغتها هي العربية، بها تتخاطب وبها تفكر وبها تؤدى عبادتها
وأخيراً وليس آخرا فقد كانت العناية الفائقة من رسول الله صلى الله عليه وسلم بتربية القاعدة الصلبة هي الضمان - بعد الله سبحانه وتعالى - لاستمرارية المنهج، بعد أن يمضي مؤسسه صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، والخلافة الراشدة - بكل ما حوت من المثل
نام کتاب : كيف ندعو الناس نویسنده : قطب، محمد جلد : 1 صفحه : 127