نام کتاب : كيف ندعو الناس نویسنده : قطب، محمد جلد : 1 صفحه : 161
كم طناً من المواعظ يلقى في العالم الإسلامي كله من المحيط إلى المحيط يوم الجمعة من كل أسبوع، وكم غيرت من واقع المسلمين في العالم الإسلامي كله من المحيط إلى المحيط؟!
إذا قلت لا شيء: فهل تعدو الحقيقة؟!
إن استخدام الموعظة في الدعوة أمر رباني: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} (النحل: 125) .
ولكن الله لم يقل إن الموعظة وحدها هي الوسيلة للدعوة، ولم يقل إنها حين تستخدم وحدها تؤتي ثمارها! إنما المنهج الرباني: أنه يرسل بالموعظة رسولاً يكون هو بذاته القدوة للناس لكي يستوعبوا الموعظة أولاً ثم يطبقوا مقتضاها بعد ذلك:
«كان خلقه القرآن» هكذا وصفت عائشة رضي الله عنها خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم مجرد خطيب يقف على المنبر ليعظ الناس، إنما كان قبل ذلك مربياً بالقدوة في شخصه الكريم، وكانت الموعظة وسيلة من وسائله لتوصيل الدعوة للناس. بل إنه صلى الله عليه وسلم هو الذي قال الصحابة رضوان الله عليهم إنه كان يتخولهم بالموعظة، أي بين الحين والحين، مخافة السآمة! السآمة من أي شيء؟ من موعظته صلى الله عليه وسلم، وفي نفوس من؟ في نفوس الصحابة رضوان الله عليهم، الذين كانوا يلتقطون كل كلمة يقولها صلى الله عليه وسلم بالإقبال والرغبة والحب، ليقينهم أنها طريقهم إلى الجنة! فكيف بنا نحن البشر العاديين حين تكون كل بضاعتنا هي الوعظ و ((الإرشاد)) !
وهل يصلح الوعظ والإرشاد وحده على فرض تقبل الناس له وعدم سآمتهم منه، وهو فرض غير صحيح، هل يصلح وحده لمعالجة شيء من تلك الأمراض التي أشرنا إليها آنفاً، والتي توغلت في كيان الأمة قبل الغزو الأخير وبعده؟ هل يصلح لمعالجة الفكر الإرجائي الذي أخرج العمل من مسمى الإيمان، وأوهم الناس قرون طويلة أنهم يمكن أن يكونوا مؤمنين ولو لم يعملوا عملاً واحداً من أعمال الإسلام؟ هل هؤلاء يمكن أن ينقلهم الوعظ - وحده - إلى العمل بمقتضى الإيمان، بما
نام کتاب : كيف ندعو الناس نویسنده : قطب، محمد جلد : 1 صفحه : 161