نام کتاب : كيف ندعو الناس نویسنده : قطب، محمد جلد : 1 صفحه : 172
ترى لو كان أعلن ذلك منذ البدء، هل كانت ستتدفق الجماهير التي تجمعت حوله عن طريق الشحن العاطفي حتى بلغت نصف مليون، معظمهم من الشباب، في شعب لم يكن يتجاوز تعداده يومئذ تسعة عشر مليوناً من البشر؟ بل هل كانت ((الصفوة)) ذاتها تتجمع بمثل هذه السهولة التي تجمعت بها، منساقة بعواطفها نحو الهدف الكبير؟
لا أظن.
ثم هل كانت ستتكون من نفس الأشخاص الذين تكونت منهم بالفعل أم من غيرهم؟
لا أدري! ولا أحد يستطيع أن يقطع في ذلك بيقين.
ولكن أيا كان الأشخاص الذين كانت القاعدة ستتكون منهم يومئذ، فقد كانوا سيكونون أصلب عوداً، وأكثر دراية، وأطول نفساً، وأقل تعجلاً مما كانوا بالفعل، فما كانوا سينساقون بعواطفهم، ولا كانوا سيعتقدون أن الهدف سهل المنال قريب التحصيل، فيجندوا أنفسهم وأعصابهم، كما فعل كثير منهم، لفترة محدودة من الزمن، يعتقدون أن كل شيء سيتم في خلالها بما أعدوه من وسائل الوصول.
كانوا سيعلمون أن المشوار طويل طويل، وأن الجهد المطلوب غاية في الضخامة، وأن الوسائل المطلوبة أكثر بكثير مما هو معد. لأن المطلوب ليس مجرد ترميمات في بناء قائم، ولكنه إعادة تثبيت الأساس.
أما الجماهير فما أظنها كانت ستقبل مع إعلان هذه المبادئ! فقد كانت ستعلم أنها قضية أخطر بكثير من مجرد الاستماع إلى الكلام المؤثر، والامتلاء العاطفي، الذي كانوا يسمونه ((الروحانية)) [1] والمتعة بلقاء الأحباب، والنشوة بالكثرة التي تتكاثر على الدوام.
كانت ستعلم أنه صراع مع الجاهلية يعرض الإنسان لكثير من المخاطر، التي لا ينبغي ((للعاقل!)) أن يعرض نفسه لها {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} (القصص: 57) . [1] الصحيح هو ((الروحانية)) بضم الراء نسبة إلى الروح.
نام کتاب : كيف ندعو الناس نویسنده : قطب، محمد جلد : 1 صفحه : 172