نام کتاب : مذاهب فكرية معاصرة نویسنده : قطب، محمد جلد : 1 صفحه : 318
والمقصود -من ناحية أخرى- هو القول بأن هناك متناقضات متصارعة في حياة البشر على الأرض، وأن صراع المتناقضات سيؤدي في النهاية -عن طريق التطور الحتمي- إلى الشيوعية "وهي آخر مخترعات المخطط اليهودي بعد الديمقراطية الليبرالية الرأسمالية لاستحمار الأمميين ووضعهم بصورة نهائية في قبضة الشعب المختار".
فإذا كان هذا هو المقصود، فلنقل إذن إن الإنسان مادة، وإن التناقض والتطور من قوانين المادة، وإن قوانين المادة تنطبق على الإنسان، وإن التناقض وصراع المتناقضات حادث في عالم الإنسان، ومؤد في النهاية -عن طريق التطور الحتمي- إلى الشيوعية!
وهي كما ترى لفة طويلة ما كان الشيوعيون أنفسهم في حاجة إليها -حتى وهم يريدون أن يسوقوا الناس سوقا إلى الشيوعية- فقد كان يكفيهم لهدفهم الأخير أن يقولوا إن الحياة البشرية مليئة بالمتناقضات التي يصارع بعضها بعضا، وإن هذا الصراع لا بد أن يؤدي في نهاية المطاف إلى غلبة الشيوعية وتحول البشرية كلها إليها.
كان هذا يكفي ... لولا أن الهدف الأول -كما قلنا- هو مسخ الإنسان والهبوط به إلى الدرك الأسفل, فلزم أن يلحق الإنسان بالمادة ويرتبط بقوانين المادة خشية أن ينفلت ذات يوم من القبضة الشريرة إذا بقيت له صفة الآدمية، ومن صفات الآدمية حرية الاختيار, ولا حتى لا يرتفع رأس واحد من بين الأمميين يقول "أنا إنسان"!
وهذا هو المنطق الحقيقي الذي يفسر التفسير المادي للتاريخ، حيث يعجز أي تفسير علمي عن تفسير هذا التفسير!
إذا فهمنا ذلك "السر" لم يعد يكرثنا كثيرا أن نناقش قضية التفسير المادي "للإنسان" مناقشة موضوعية مطولة. لكنا نقول فقط إن "إنسانية" الإنسان لا ماديته ولا حيوانيته، أظهر من أن يجادل فيها المجادلون ... ولكنه الهوى الذي يتخذ الزي العلمي المزيف: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} [1].
ولقد كان دارون هو الذي وجه اللطمة الكبرى لإنسانية الإنسان حين زعم [1] سورة المؤمنون: 71.
نام کتاب : مذاهب فكرية معاصرة نویسنده : قطب، محمد جلد : 1 صفحه : 318