نام کتاب : مذاهب فكرية معاصرة نویسنده : قطب، محمد جلد : 1 صفحه : 38
الحجر على الفكر البشري: ما دور الوجدان وما دور العقل في قضية الإيمان؟ وهل هناك أمور يختص بها الوجدان وليس للعقل فيها إلا التسليم؟
إن الدين -كما نعرف صورته في الوحي المنزل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخاطب الإنسان كله: وجدانه وعقله في آن. وقد يكون الوجدان أوسع الأوعية البشرية التي تستوعب أمر العقيدة وقضية الإيمان. ولذلك فإن الخطاب الوجداني هو الغالب في السور المكية التي يتركز الحديث فيها على العقيدة. والقرآن يستثير الوجدان البشري بالطرق على جميع نوافذ القلب والتوقيع على جميع أوتاره، ثم -بعد استثارته- يلقي إليه الحقيقة المتعلقة بالعقيدة، فينفعل بها القلب، وتصل منه إلى القرار ... ويكفينا مثال واحد من سورة الأنعام:
{إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ، فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ، وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ، وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ، وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [1].
ولكن هذا ليس معناه أن الوجدان يستقل بأمر العقيدة.. وليس معناه أن الدين يفرض على العقل -في شأن العقيدة- أمورا لا يستسيغها ولا يتقبلها، ويطلب منه أن يسلم بها تسليما أعمى بلا دليل.
فأما ما يتصل بالذات الإلهية فنعم ... لا يملك العقل أن يستوعب. والوجدان أقدر على الاستيعاب من العقل المقيد في تصوره بحدود الزمان والمكان والبدء والانتهاء.
ولكن الدين لم يطالب الإنسان -من أجل أن يؤمن بالله- أن يتفكر في الذات الإلهية التي يعجز عن الإحاطة بها، إنما طالبه بالتفكر في آيات الله التي [1] سورة الأنعام: 95-99.
نام کتاب : مذاهب فكرية معاصرة نویسنده : قطب، محمد جلد : 1 صفحه : 38