نام کتاب : مذاهب فكرية معاصرة نویسنده : قطب، محمد جلد : 1 صفحه : 54
ثالثًا: فساد رجال الدين
المفروض في "رجال الدين" إن كان ثمة مبرر لوجود رجال دين على الإطلاق أن يكونوا قدوة صالحة للمؤمنين بالدين، ونموذجًا يحتذى في الفكر والشعور والسلوك.
ولكن رجال الدين الكنسي في أوروبا البابوية لم يكونوا يؤمنون بشيء من ذلك ولا يحتفلون به!
بل كانت حياة الغالبية منهم حياة ترف وملذات وشهوات!
يقول الله ليحذر المؤمنين:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ، كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [1].
كبر مقتًا لأنه صد عن سبيل الله.. وأي جريمة أكبر من الصد عن سبيل الله؟
إن الناس قد يتقبلون من الشخص العادي أن يكذب أو يغش أو يلتوي في سلوكه.. أو يقع فريسة للشهوات.
أما أن يقع ذلك ممن ينصب نفسه قدوة للناس، أو ممن يدعو الناس إلى التمسك بالفضيلة والبعد عن الرذيلة.. فهذا الذي لا يستسيغه الناس من جهة، والذي يصدهم عن القيم الرفيعة من جهة أخرى؛ لأنه ييئسهم من قيام تلك القيم في عالم الواقع، ويشعرهم أنها مجرد شعارات معلقة في الفضاء. ويهون لهم من جهة أخرى ارتكاب الرذيلة بكل أنواعها؛ لأنه إذا كان دعاة الفضيلة يفعلون ذلك، فما بالهم هم، الذين لم يزعموا لأنفسهم ذات يوم أنهم من أصحاب الفضيلة؟!
لذلك كبر مقتا عند الله أن يقول المؤمنون بألسنتهم ما يخالفونه في سلوكهم الواقعي.
وهذا الذي كبر مقتًا عند الله كان هو السلوك الغالب على رجال الدين الكنسي في أوروبا البابوية! مما أدى -كما أدت خطايا الكنيسة كلها- إلى نبذ الدين في النهاية والانسلاخ منه.
يقول "ول ديورانت" في فصل بعنوان "أخلاق رجال الدين" من كتاب "قصة الحضارة" "ج21 ص83-86":
"لقد كان يسع الكنيسة أن تحتفظ بحقوقها القدسية المستمدة من الكتب المقدسة العبرية والتقاليد المسيحية لو أن رجالها تمسكوا بأهداب الفضيلة والورع.. ولكن كثرتهم الغالبة ارتضت ما في أخلاق زمانها من شر وخير، وكانوا هم أنفسهم مرآة ينعكس عليها ما في سيرة غير رجال الدين من أضداد. فقد كان قس الأبرشية خادمًا ساذجًا، لم يؤت في العادة إلا قسطًا ضئيلًا من التعليم، ولكنه غالبًا ما يعيش معيشة يقتدى بها "وإن خالفنا في هذا رأي الراهب الصالح أنطونينو" لا يعبأ به رجال الفكر، ولكن يرحب به الشعب. [1] سورة الصف: 2، 3.
نام کتاب : مذاهب فكرية معاصرة نویسنده : قطب، محمد جلد : 1 صفحه : 54