نام کتاب : تلخيص الخطابة نویسنده : ابن رشد الحفيد جلد : 1 صفحه : 86
فقد قيل في الممكن ولا ممكن، وفي أَن الأَمر كان أَو لم يكن، وفي أَنه يكون أَو لا يكون، وفي التعظيم والتصغير.
وقد بقي علينا القول في الأُمور العامة للتصديقات كلها، وذلك مما لم يستوف فيه القول في المقالة الأُولى، وأَعني بالتصديقات العامة المقاييس الخطبية والمواضع الخطبية، فنقول: إِن الأَقاويل الخطبية، كما سلف، جنسان: مثال وضمير. وأَما الرأي فهو جزء من الضمير. وأَكثر ذلك إِنما يحتاج إِليه في المشوريات. وسنقول في ذلك. والمثال كما قيل في هذه الصناعة شبيه بالاستقراء في صناعة الجدل، والضمير شبيه بالقياس فيها. والمثال في هذه الصناعة نوعان: فأَحدهما: أَن يتمثل المتكلم بأُمور قد كانت ووجدت، مثل قول القائل: إِنه ينبغي للملك أَلا يغتر فيميز النصحاء من حرسه من غير النصحاءِ، وإِلا خيف أَن يثبوا عليه فيقتلوه، كما عرض للمتوكل كل من بني العباس.
النوع الثاني: أَن يكون الخطيب يصنع المثال صنعة ويخترعه اختراعا، وهذا ربما كان مقدمة، وربما كان حديثا طويلا. والحديث الطويل ربما كان معلوم الكذب عند التكلم والسامع كالحال في الحكايات الموضوعة في كتاب دمنة وكليلة، وربما لم يكن معلوم الكذب ككثير من الأَلغاز التي يستعملها أَصحاب السياسات. واسم المثل والأَمثال أَخص بالمقدمة المخترعة عند أَرسطو، والمثال أَخص بالموجود منها. والمقدمات التي جرت عادة الجمهور من العرب وغيرهم أَن يستعملوها في مخاطبتهم، مثل قولهم: ذكرتني الطعن وكنتُ ناسيا، وقولهم: بلغ الماءُ الزبى، وغير ذلك، هي داخلة في هذا الجنس، إِلا أَن بعضها مقدمات أَو اخترعها أَول من تكلم بها ليجعلها مثالات عامة لأُمور كثيرة، وبعضها إِنما نطق بها فقط لموافقة الحال الحاضرة فحفظ ذلك وجعل مثالا في أَشياء كثيرة، مثل قول القائل: ذكرتني الطعن وكنت ناسيا، فإِن الحكاية في ذلك مشهورة عن أَول من تكلم بهذا المثل، والسبب في ذلك.
ومثال المثل المخترع الذي إِنما هو مقدمة فقط قول سقراط: إِنه لا ينبغي أَن يتسلط أُناس بالقرعة، كما لا ينبغي أَن يوضع الصراع قرعةً، أَي يوضع الصراع بالقرعة. فإِن هذا القول اخترعه سقراط وجعله مثالا لقول القائل: إِنه لا ينبغي أَن يتسلط ناس بالقرعة، مثل أَن يلزم واحد من أَهل السفينة أَخذ السكان بالقرعة، فإِن القرعة تصيب أَيهم كان من غير أَن يكون ذلك ممن يحسن الملاحة.
نام کتاب : تلخيص الخطابة نویسنده : ابن رشد الحفيد جلد : 1 صفحه : 86