أما أنصار البيئة: فيعتقدون أن لا شيء أو أقل القليل من الأشياء يمكن وراثته، وأن ما نسميه بالمورثات التي يتلقاها الطفل من والديه لا أهمية كبيرة لها في نموه، وأن الأهمية الكبرى هي للتدريب والتعلُّم الذي يتلقاه، ولقد كان "واطسون"، وهو من غلاة السلوكيين أنصار البيئة والاكتساب، ينكر بشدة فكرة المواهب الفطرية, ويقول: "أعطوني اثنا عشر طفلًا أصحّاء, أتعهد بتنشئتهم, وأنا كفيل بأن آخذ أيًّا منهم بالصدفة وأدرِّبه على أن يصبح أيَّ نوع من التخصص أريده له: طبيبًا، محاميًا، فنانًا، شيخ التجار، بل متسولًا أو لصًّا، بصرف النظر عن مواهبه وقدراته, أو ميوله واستعداداته وجنس آبائه وأجداده".
والراجح اليوم: هو هجر كلا المذهبين المتطرفين، والجمع بين أثر كل من الوراثة والبيئة، والتطبع nature & nurture في تشكيل النمو الإنساني بدلًا من محاولة استبعاد أحدهما وإبقاء الآخر كلية. أي: إنهما معًا, أصبح يبحث أثرهما المتشرك في نمو صفة جزئية من صفات الجسم, أو سمة بعينها من سمات التشخصية. فالزارع رغم إيمانه بضرورة اختيار البذور الصالحة المنتقاة يدرك أن هذه البذور لن تكون شيئًا مثمرًا إذا هو نثرها في أرض موات، كما أنه يدرك أن الأرض مهما قويت لن تغلَّ محصولًا ناجحًا ببذور تالفة ينثرها فيها, والنتيجة: إنه ينبغي أن يحرص على انتقاء البذور وجودة التربية والعمل على غرس وتغذية البذور في تلك التربة ... إلخ.
ومثل هذا يقال في الإنسان: فما لم تتكامل للنشء هذه العناصر الثلاثة من: أصل، ووسط، وتربية، أي: وراثة، وبيئة، وتعليم، فإن ما توفّر له من عناصر صالحة للنمو لن يعدو أن يكون مجرد إمكانيات لا تجد سبيلها إلى التحقق.
ولقد وضع دوبز هانسكي dobzhansky معادلة لبيان أثر تفاعل الوراثة والبيئة في تكوين وفاعليات الكائن وهي:
الوراثة × البيئة = الكائن.