هذا ولا مفرَّ من إجراء مقارنات بين نصوص برونر burner النظرية, فيما يتعلّق بالنمو المعرفي وموقف بياجيه, ومع أننا لا ننوي أن نصدر أحكامًا تقيمية في هذه المقارنات، إلّا أننا سوف نشير إليها إذا ما صلحت لاكتشاف بعض الفحوص في معارفنا. وواضح أن العالمين متَّفقان على أن سير النمو الإنساني يمكن وصفه بالتقدُّم عبر سلسلة من المراحل، كلٍّ منها تتميز بفروق نوعية, وقد قدَّم برونر bruner ثلاث مراحل للنمو المعرفي هي: المرحلة الحكمية، والمرحلة التصويرية التقليدية, والمرحلة الرمزية.
أ- المرحلة الحكمية "التوضيح النشط" The enactuve stage:
حيث يكتسب الطفل حديث الولادة في هذه المرحلة معرفةً عن العالم من أنشطة حركية متكررة مع أشياء مألوفة, ومع اكتساب الطفل لقدرات حركية، تسنَح له فرص أكثر للتفاعل مع مجموعة كبيرة من المثيرات, ويصف برونر وآخرون bruner et al "1966، ص16". المرحلة الحكمية على النحو التالي:
"إن الشكل الإبتدائي للفعل هو "انظر إلى", كما في حركات العينين أو توجيه الرأس. ومن الواضح أن هذا الشكل فطري, وفيما بعد يصبح الفعل هو القبض، والوضع في الفم، والإمساك, وما شابه ذلك من "تحديد موضوع" و"إيجاد علاقة" مع البيئة. والفعل من هذه الناحية هو الشرط اللازم لإنجاز الطفل الصغير للعلاقات البيئية المتبادلة والصحيحة, التي تكوّن موضوعات الخبرة المشتتة والمجرأة, والفعل هو وبعض الطاقة الواردة من المستقبلين البعيدين توفر الظروف الضرورية والكافية لمثل هذا التقدم، بغرض سلامة الجهاز العصبي".
وهكذا طبقًا لبرونر، فإن التكوين المبكِّر للمعرفة قد يتوقَّف غالبًا على الإدراك البصري للمثيرات في بيئة الطفل الغريبة, وكما يرى برونر، فإنَّ الأطفال حديثي الوالدة يمرون بسلسلة من حركات البنين والتثبيتات يكتشفون خلالها معرفة بدائية بالعالم. ومع تقدُّم هؤلاء الأطفال في مجال القدرة الحركية، يستمرون في اكتساب المعرفة عن العالم من خلال عمليات حسية، ولكنهم الآن يتَّسقون فيما بين نظم الطاقة الإدراكية. مثال ذلك: إن الطفل يستطيع الآن النظر إلى مثير "تمييز الشكل", وفي نفس الوقت يمسك به "تمييز البعد". إن الطاقة البصرية والطاقة