كمال الدين
المسألة الثانية من النقطة الأولى: أن هذا الدين كامل، وهذه نقطة من أهم النقاط؛ لأن هناك طوائف وفرق تعيش بيننا وتعاشرنا تقول: إن هذا الدين ناقص، فهناك مثلاً الرافضة الذين يقولون: إن الرسول صلى الله عليه وسلم انشغل بالحروب وبالمعارك، ولم يكن متمكناً - بسبب ذلك - من تبليغ عموم الرسالة، فخشي من أن يأثم؛ لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة:67] ولم يجد أمامه أناساً مؤهلين، فهم يقولون: إن الصحابة كانوا منافقين، وبعضهم كان كافراً، وبعضهم كانت أهدافه دنيوية، فالمصطفى عليه السلام كان منشغلاً بالحروب أولاً ولم يجد لديه الجيل المؤهل لتبليغ الرسالة، وأمامه إشكالية أخرى، وهي: أنه يجب عليه أن يبلغ؛ فذهب بالعلم كله وأعطاه لـ علي بن أبي طالب.
ثم علي بن أبي طالب لم يجد من الناس مؤهلين للعلم، فأعطاه الحسن، والحسن أعطاه للحسين، فتناقل بين أئمة الشيعة.
ثم جاء الإمام الحادي عشر عند الشيعة الحسن العسكري فوجد أن الناس غير مؤهلين فنقله إلى المهدي المنتظر: محمد بن الحسن العسكري الذي اختفى في سرداب سامراء سنة مائتين وستين للهجرة، ولا زال مختفياً على قولهم.
إذاً: اختفى هذا الطفل ومعه الشريعة كاملة، ومن هذه الشريعة - كما يذكرون - مصحف فاطمة، فهو مثل قرآننا ثلاث مرات، وليس فيه من قرآننا حرف واحد.
وفي روايات أخرى تقول: إن الله أنزل هذا القرآن سبعة عشر ألف آية! والقرآن الموجود عدد آياته ستة آلاف ويزيد قليلاً معناه: أن الموجود هو الثلث، وهذا يصدق الرواية الأولى.
إذاً: الشيعة يدعون أن الدين ناقص، وأن الله لم يكمل الدين، وأن قول الله سبحانه وتعالى: {أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة:3] غلط، وليست بصحيحة، وبالتالي: فهذه الطائفة تخرج من هذا المعيار والمقياس.
وهناك طائفة أخرى، وهي طائفة الصوفية، فهم يقولون: إن هذا الدين ناقص؛ لأنهم يقولون: إنكم تأخذون علومكم من ميت عن ميت، ونحن نأخذ علومنا عن الحي الذي لا يموت! ويقول أحدهم: حدثني قلبي عن ربي، فيقولون: أنتم تأخذون علومكم من البخاري الذي أخذها عن فلان وفلان، أو من أبي هريرة الذي أخذها عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وكلهم موتى، أما نحن فنأخذ علومنا عن الله سبحانه وتعالى مباشرة.
إذاً: معنى هذا: أنهم يأخذون علوماً متواصلة ومستمرة من الله سبحانه وتعالى لهؤلاء الصوفية، فكأن دين الله سبحانه وتعالى الذي أنزله إلى محمد صلى الله عليه وسلم ناقص.
ويدل على ذلك تقسيمهم لأنواع التوحيد، يقولون: التوحيد ثلاثة أنواع: توحيد العامة الذي يشترك فيه جميع الناس، ومنهم الأنبياء والمرسلين.
وتوحيد الخاصة الذي يشترك فيه مبتدئو الصوفية.
وتوحيد خاصة الخاصة، الخاص بعلماء الصوفية أو بأقطابهم.
إذاً: معنى هذا: أن هؤلاء يعيشون مراحل من التوحيد لم يصل إليها بعد الأنبياء والمرسلين؛ ولذلك تقول هذه الطائفة بشتى فرقها: خضنا بحراً وقف الأنبياء بساحله، أي: نحن خضنا علوماً لم يستطع الأنبياء أن يخوضوا فيها؛ لعدم مقدرتهم ومعرفتهم.
فقولنا: (إن الدين كامل) أخرج مجموعات من الطوائف والفرق التي تدعي أنها تحمل لواء الإسلام، وأنها تدعو إلى دين الله سبحانه وتعالى، ولو ناقشت أي إنسان من هذه الطوائف لقال لك: إنني على الحق، وأنت على الباطل، وهذا أمر مشاهد، بل وتخرج هذه الكلمة - إن الدين كامل - كذلك طوائف أخرى من أمثال الجهمية والمعتزلة والأشاعرة والماتريدية الذين يدعون أنهم على الحق.
ولو ذهبنا إلى بعض المكتبات لوجدنا فيها كتب أبي منصور الماتريدي إمام أهل السنة والجماعة، وللعلم فإن فرقة الماتريدية فرقة منحرفة في باب الأسماء والصفات ومع ذلك يدعون أنهم أهل السنة! فتجد كتباً موجودة في المكتبات الإسلامية بعنوان: انتشار المذهب السني - كتاب تاريخي عقدي - في المشرق العربي، في القرن كذا وكذا تقرأ الكتاب وإذا هو يتحدث عن انتشار المذهب الأشعري، وهل هو المذهب السني؟! هكذا ادعى، وهكذا قال! إذاً: كل يدعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم بذاك فهم يدعون أنهم على منهاج الحق، ولكن قولنا: (إن هذا الدين كامل) يخرجهم، فعندما تأتي إليهم تقول لهم: ماذا تقولون في باب الأسماء والصفات؟ يقولون أقوالاً متعددة، فهؤلاء ينفون أسماءً، وهؤلاء ينفون صفاتٍ، وهؤلاء يثبتون البعض ويؤولون البعض، وهؤلاء يحرفون البعض ويغيرون البعض، وهكذا.
أما السلف فيثبتون ما ورد في القرآن والسنة كما جاء من غير تشبيه ولا تعطيل.