نام کتاب : الجامع الصحيح للسنن والمسانيد نویسنده : صهيب عبد الجبار جلد : 1 صفحه : 3
[1] شَرَف أصحاب الحديث
(خ م) , عَنْ الْمُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: " لَا يَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ حَتَّى يَاتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ " (1)
قَالَ النَّوَوِيّ: وَأَمَّا هَذِهِ الطَّائِفَة , فَقَالَ الْبُخَارِيّ هُمْ أَهْل الْعِلْم.
وَقَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل: إِنْ لَمْ يَكُونُوا أَهْل الْحَدِيث فَلَا أَدْرِي مَنْ هُمْ.
وقَالَ الْقَاضِي عِيَاض: إِنَّمَا أَرَادَ أَحْمَدُ أَهْلَ السُّنَّة وَالْجَمَاعَة وَمَنْ يَعْتَقِد مَذْهَب أَهْل الْحَدِيث ,
قَالَ النَّوَوِيّ: وَيَحْتَمِل أَنَّ هَذِهِ الطَّائِفَة مُتَفَرِّقَة بَيْن أَنْوَاع الْمُؤْمِنِينَ , مِنْهُمْ شُجْعَان مُقَاتِلُونَ، وَمِنْهُمْ فُقَهَاء، وَمِنْهُمْ مُحَدِّثُونَ، وَمِنْهُمْ زُهَّاد وَآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَاهُونَ عَنْ الْمُنْكَر، وَمِنْهُمْ أَهْل أَنْوَاع أُخْرَى مِنْ الْخَيْر، وَلَا يَلْزَم أَنْ يَكُونُوا مُجْتَمَعِينَ , بَلْ قَدْ يَكُونُونَ مُتَفَرِّقِينَ فِي أَقْطَار الْأَرْض. (2)
وقال الألباني - رحمه الله - في الصَّحِيحَة تحت حديث 270:
وقد يستغرب بعض الناس تفسير هؤلاء الأئمة للطائفة الظاهرة والفرقة الناجية بأنهم أهل الحديث، ولا غرابة في ذلك إذا تذكرنا ما يأتي:
أولا: أن أهل الحديث هم بحكم اختصاصهم في دراسة السنة وما يتعلق من معرفة تراجم الرواة وعلل الحديث وطُرُقِه أعلمُ الناس قاطبة بسنة نبيهم - صلى الله عليه وسلم - وهدْيه وأخلاقه وغزواته وما يتصل به - صلى الله عليه وسلم -.
ثانيا: أن الأمة قد انقسمت إلى فرق ومذاهب لم تكن في القرن الأول، ولكل مذهب أصوله وفروعه، وأحاديثه التي يستدل بها ويعتمد عليها , وأن المتمذهب بواحد منها يتعصب له ويتمسك بكل ما فيه، دون أن يلتفت إلى المذاهب الأخرى وينظر , لعله يجد فيها من الأحاديث ما لَا يجده في مذهبه الذي قلده، فإن من الثابت لدى أهل العلم أن في كل مذهب من السُّنَّة والأحاديث ما لَا يوجد في المذهب الآخر , فالمتمسك بالمذهب الواحد يضِل ولا بد عن قسم عظيم من السنة المحفوظة لدى المذاهب الأخرى، وليس على هذا أهل الحديث , فإنهم يأخذون بكل حديث صح إسناده في أي مذهب كان، ومن أي طائفة كان راويه ما دام أنه مسلم ثقة، حتى لو كان شيعيا أو قدريا أو خارجيا , فضلا عن أن يكون حنفيا أو مالكيا أو غير ذلك.
وقد صرَّح بهذا الإمام الشافعي - رضي الله عنه - حين خاطب الإمام أحمد بقوله: " أنتم أعلم بالحديث مني، فإذا جاءكم الحديث صحيحا فأخبروني به حتى أذهب إليه , سواء كان حجازيا أم كوفيا أم مصريا "
فأهل الحديث - حشرنا الله معهم - لَا يتعصبون لقول شخص مُعَيَّن مهما علا وسما حاشا محمد - صلى الله عليه وسلم - بخلاف غيرهم ممن لَا ينتمي إلى الحديث والعمل به، فإنهم يتعصبون لأقوال أئمتهم - وقد نَهَوْهُم عن ذلك - كما يتعصب أهل الحديث لأقوال نبيهم! فلا عجب بعد هذا البيان أن يكون أهل الحديث هم الطائفة الظاهرة والفرقة الناجية بل والأمة الوسط، الشهداء على الخلق.
ويُعجبني بهذا الصدد قول الخطيب البغدادي في مقدمة كتابه (شرف أصحاب الحديث) انتصارا لهم وردا على من خالفهم: " ولو أن صاحب الرأي المذموم اشتغل بما ينفعه من العلوم، وطلب سنن رسول رب العالمين، واقتفى آثار الفقهاء والمحدثين، لوجد في ذلك ما يُغنيه عن سواه، واكتفى بالأثر عن رأيه الذي يراه , لأن الحديث يشتمل على معرفة أصول التوحيد , وبيان ما جاء من وجوه الوعد والوعيد، وصفات رب العالمين , والإخبار عن صفة الجنة والنار، وما أعد الله فيها للمتقين والفجار، وما خلق الله في الأرضين والسماوات , وصنوف العجائب وعظيم الآيات , وذكر الملائكة المقربين، ونعت الصَّافِّين والمسبحين , وفي الحديث قصص الأنبياء , وأخبار الزهاد والأولياء , ومواعظ البلغاء، وكلام الفقهاء، وسِيَرُ ملوك العرب والعجم، وأقاصيص المتقدمين من الأمم وشرح مغازي الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسراياه، وجُمَل أحكامه وقضاياه، وخطبه وعِظاته، وأعلامه ومعجزاته، وعِدَّة أزواجه وأولاده، وأصهاره وأصحابه، وذكر فضائلهم ومآثرهم، وشرح أخبارهم ومناقبهم، ومبلغ أعمارهم، وبيان أنسابهم , وفيه تفسير القرآن العظيم وما فيه من النبأ والذكر الحكيم، وأقاويل الصحابة في الأحكام المحفوظة عنهم، وتسمية من ذهب إلى قول كل واحد منهم من الأئمة الخالفين، والفقهاء المجتهدين , وقد جعل الله أهل الحديث أركان الشريعة، وهدم بهم كل بدعة شنيعة، فهم أمناء الله في خليقته، والواسطة بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمته، والمجتهدون في حفظ ملته، أنوارهم زاهرة، وفضائلهم سائرة، وآياتهم باهرة، ومذاهبهم ظاهرة، وحججهم قاهرة , وكل فئة تتحيز إلى هوى ترجع إليه، وتستحسن رأيا تعكف عليه، سوى أصحاب الحديث، فإن الكتابَ عُدَّتهم، والسُّنةَ حجتُهم، والرسولَ فئتُهم، وإليه نِسْبَتُهم، لَا يُعَرِّجون على الأهواء، ولا يلتفتون إلى الآراء , يُقْبَل منهم ما رووا عن الرسول، وهم المأمونون عليه العدول , حَفَظَةُ الدين وخزنته، وأوعية العلم وحملته، إذا اختُلِف في حديث كان إليهم الرجوع، فما حكموا به فهو المقبول المسموع , منهم كل عالم فقيه، وإمام رفيع نِبِيهٍ، وزاهد في قبيلة ومخصوص بفضيلة، وقارىءٌ متقن، وخطيبٌ محسن , وهم الجمهور العظيم , وسبيلهم السبيل المستقيم، وكل مبتدع باعتقادهم يتظاهر، وعلى الإفصاح بغير مذاهبهم لَا يتجاسر، من كادهم قصمهم الله، ومن عاندهم خذله الله، لَا يضرهم من خذلهم , ولا يُفلح من اعتزلهم، المحتاط لدينه إلى إرشادهم فقير، وبَصَر الناظر بالسوء إليهم حسير، وإن الله على نصرهم لقدير , ثم ساق الخطيب الحديث عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: " لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ " , قَالَ عَلِيُّ بن المديني: هُمْ أَهْلُ الْحَدِيثِ , والذين يتعاهدون مذاهب الرسول ويَذُبُّون عن العلم , لولاهم لم تجد عند المعتزلة والرافضة والجهمية وأهل الإرجاء والرأي شيئا من السنن.
قال الخطيب: وكم من ملحد يروم أن يخلط بالشريعة ما ليس منها، والله تعالى يَذُبُّ بأصحاب الحديث عنها، فهم الحفاظ لأركانها، والقَوَّامُون بأمرها وشأنها، إذا صُدِف عن الدفاع عنها فهم دونها يناضلون، أولئك حزب الله , أَلَا إن حزب الله هم المفلحون ".
ثم قال الألباني: وأختم هذه الكلمة بشهادة عظيمة لأهل الحديث من عالم من كبار علماء الحنفية في الهند، أَلَا وهو أبو الحسنات محمد عبد الحي اللكنوي (1264 - 1304) قال رحمه الله:
" ومن نظر بنظر الإنصاف، وغاص في بحار الفقه والأصول متجنِّبا الاعتساف، يعلم علما يقينيا أن أكثر المسائل الفرعية والأصلية التي اختلف العلماء فيها، فمذهب المُحَدِّثين فيها أقوى من مذاهب غيرهم، وإني كلما أسير في شِعب الاختلاف , أجد قول المُحَدِّثين فيه قريبا من الإنصاف فلِلَّه دَرُّهم، وعليه شكرهم , كيف لَا وَهُم وَرَثَةُ النبي - صلى الله عليه وسلم - حقا، ونُوَّابُ شرعه صدقا، حَشَرَنا الله في زُمرتهم، وأماتنا على حُبِّهم وسيرتهم ". أ. هـ
وَقَالَ الْبُوَيْطِيُّ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ - رحمه الله - يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بأصحاب الحديث , فإنهم أكثر الناس صواباً ,
وقال: إِذَا رَأَيْتَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ , فَكَأَنَّمَا رَأَيْتَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جَزَاهُمُ اللَّهُ خَيْرًا، حَفِظُوا لَنَا الْأَصْلَ، فَلَهُمْ عَلَيْنَا الْفَضْلُ. (3)
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في ((مجموع الفتاوى)) ([3]/ 346): " وَأَيْضًا فَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يُخْبِرُ عَنْ هَذِهِ الْفِرَقِ بِحُكْمِ الظَّنِّ وَالْهَوَى , فَيَجْعَلُ طَائِفَتَهُ وَالْمُنْتَسِبَةَ إلَى مَتْبُوعِهِ الْمُوَالِيَةَ لَهُ هُمْ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ؛ وَيَجْعَلُ مَنْ خَالَفَهَا أَهْلَ الْبِدَعِ , وَهَذَا ضَلَالٌ مُبِينٌ.
فَإِنَّ أَهْلَ الْحَقِّ وَالسُّنَّةِ لَا يَكُونُ مَتْبُوعُهُمْ إلَّا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الَّذِي لَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى , إنْ هُوَ إلَّا وَحْيٌ يُوحَى , فَهُوَ الَّذِي يَجِبُ تَصْدِيقُهُ فِي كُلِّ مَا أَخْبَرَ؛ وَطَاعَتُهُ فِي كُلِّ مَا أَمَرَ , وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْمَنْزِلَةُ لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ , بَلْ كُلُّ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ , إلَّا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَمَنْ جَعَلَ شَخْصًا مِنْ الْأَشْخَاصِ غَيْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَنْ أَحَبَّهُ وَوَافَقَهُ كَانَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ , وَمَنْ خَالَفَهُ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْبِدْعَةِ وَالْفُرْقَةِ - كَمَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي الطَّوَائِفِ مِنْ اتِّبَاعِ أَئِمَّةٍ فِي الْكَلَامِ فِي الدِّينِ وَغَيْرِ ذَلِكَ - كَانَ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالضَّلَالِ وَالتَّفَرُّقِ.
وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِأَنْ تَكُونَ هِيَ الْفِرْقَةُ النَّاجِيَةُ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ؛ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ مَتْبُوعٌ يَتَعَصَّبُونَ لَهُ إلَّا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْم أَعْلَمُ النَّاسِ بِأَقْوَالِهِ وَأَحْوَالِهِ , وَأَعْظَمُهُمْ تَمْيِيزًا بَيْنَ صَحِيحِهَا وَسَقِيمِهَا , وَأَئِمَّتُهُمْ فُقَهَاءُ فِيهَا , وَأَهْلُ مَعْرِفَةٍ بِمَعَانِيهَا , وَاتِّبَاعًا لَهَا , تَصْدِيقًا , وَعَمَلًا , وَحُبًّا , وَمُوَالَاةً لِمَنْ وَالَاهَا , وَمُعَادَاةً لِمَنْ عَادَاهَا , الَّذِينَ يَرْوُونَ الْمَقَالَاتِ الْمُجْمَلَةَ إلَى مَا جَاءَ بِهِ مِنْ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ؛ فَلَا يُنَصِّبُونَ مَقَالَةً وَيَجْعَلُونَهَا مِنْ أُصُولِ دِينِهِمْ , وَجُمَلِ كَلَامِهِمْ , إنْ لَمْ تَكُنْ ثَابِتَةً فِيمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ , بَلْ يَجْعَلُونَ مَا بُعِثَ بِهِ الرَّسُولُ مِنْ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ هُوَ الْأَصْلُ الَّذِي يَعْتَقِدُونَهُ وَيَعْتَمِدُونَهُ , وَمَا تَنَازَعَ فِيهِ النَّاسُ مِنْ مَسَائِلِ الصِّفَاتِ وَالْقَدَرِ وَالْوَعِيدِ وَالْأَسْمَاءِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ , يَرُدُّونَهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ , وَيُفَسِّرُونَ الْأَلْفَاظَ الْمُجْمَلَةَ الَّتِي تَنَازَعَ فِيهَا أَهْلُ التَّفَرُّقِ وَالِاخْتِلَافِ؛ فَمَا كَانَ مِنْ مَعَانِيهَا مُوَافِقًا لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَثَبَتُوهُ وَمَا كَانَ مِنْهَا مُخَالِفًا لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَبْطَلُوهُ؛ وَلَا يَتَّبِعُونَ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ , فَإِنَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ جَهْلٌ , وَاتِّبَاعَ هَوَى النَّفْسِ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ ظُلْمٌ , وَجِمَاعُ الشَّرِّ: الْجَهْلُ وَالظُّلْمُ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ , إنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} ". أ. هـ
وقال إسماعيل بن محمد بن الفضل التَّيْمِي الأصبهاني (535 هـ) الملقب بـ (قِوام السُّنة)
في (الحجة في بيان المحجة) ([2]/ 384 - 386): " فإن قيل: كل فرقة تنتحل اتباع السنة، وتنسب مخالفيها إلى خلاف الحق، فما الدليل على أنكم أهلها دون من خالفكم؟
قلنا: الدليل على ذلك قول الله تعالى: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}.
فأمر باتباعه وطاعته فيما أمر ونهى.
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي " [4]، و" مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي " (5)
وعرَفنا سنته بالآثار المروية بالأسانيد الصحيحة، وهذه الفرقة الذين هم أصحاب الحديث لها أطلب، وفيها أرغب , ولصحاحها أتبع , فعلمنا بالكتاب والسنة أنهم أهلها دون سائر الفرق , لأن مدَّعي كل صناعة إذا لم يكن معه دلالة من صناعته , يكون مبطلا في دعواه، وإنما يُستدل على صناعة كل صاحب صنعة بآلته , فإذا رأيتَ الرجل فتح باب دكانه، وبين يديه الكير والمطرقة، والسندان، علمتَ أنه حداد، وإذا رأيتَ بين يديه الإبرة والمقراض , علمت أنه خياط، وكذلك ما أشبه هذا، ومتى قال صاحب التمر لصاحب العطر: أنا عطار , قال له: كذبت أنا هو , وشهد له بذلك كل من أبصره من العامة , وقد وجدنا أصحابنا دخلوا في طلب الآثار التي تدل على سنن النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخذوها من معادنها , وجمعوها من مظانها , وحفظوها، ودعوا إلى اتباعها , وعابوا من خالفها , وكثرت عندهم وفي أيديهم، حتى اشتهروا بها كما اشتهر البزاز ببزه، والتمَّار بتمره , والعطار بعطره، ورأينا قوما تنكَّبوا معرفتها واتباعها، وطعنوا فيها , وزهَّدوا الناس في جمعها ونشرها، وضربوا لها ولأهلها أسوأ الأمثال، فعلمنا بهذه الدلائل أن هؤلاء الراغبين فيها وفي جمعها وحفظها واتباعها , أولى بها من سائر الفرق الذين تنكَّبوها , لأن الاتباع عند العلماء هو الأخذ بسنن النبي - صلى الله عليه وسلم - التي صحَّت عنه , والتي أمر بالأخذ بها، والانتهاء عما نهى , وهذه دلالة ظاهرة لأهل السنة باستحقاقهم هذا الاسم , دون من اتبع الرأي والهوى.
فإن قيل: الأمر كما قلت، غير أن كل فرقة تحتج لمذهبها بحجة.
قيل: من احتج بحديث ضعيف في معارضة حديث صحيح، أو حديث مرسل في معارضة حديث مسند، أو احتج بقول تابعي في معارضة قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يَتساوَيان.
فإن من اتبع قولَ الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقد استمسك بما هو الحجة قطعا، ومن احتج بالثابت القوي أحسن حالا ممن احتج بالواهي الضعيف، وبهذا استبان الاتباع من غيره، لأن صاحب السنة لا يتبع إلا ما هو الأقوى، وصاحب الهوى يتبع ما يهوى ".
وقال أيضًا ([2]/ 397 - 399): " قال بعض علماء السنة: كل من صح عنده شيء من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونهيه، صغيره وكبيره، بلا معارض له يعرفه من حديثه أو ناسخ له، ثم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا، وأنا أقول بخلافه؛ فقد تكلم بعظيم، وإن كان ذلك الشيء مما لا يضل الرجل بتركه؛ لأن أدنى معاندة للنبي - صلى الله عليه وسلم - في أدنى شيء من أمره ونهيه عظيم، فمن قَبِل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنما يقبل عن الله، ومن رد عليه؛ فإنما يرد على الله، قال الله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [6].
وقول من قال: تُعرض السنة على القرآن؛ فإن وافقت ظاهره , وإلا استعملنا ظاهر القرآن , وتركنا الحديث.
فهذا جهل؛ لأن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع كتاب الله - عز وجل - تُقام مقام البيان عن الله - عز وجل - ليس شيء من سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخالف كتاب الله؛ لأن الله - عز وجل - أَعْلَمَ خلْقَه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهدي إلى صراط مستقيم فقال: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [7] وليس لنا مع سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأمر شيء إلا الاتباع والتسليم، ولا يُعرض على قياس ولا غيره، وكل ما سواها من قول الآدميين تَبَعٌ لها، ولا عُذر لأحد يتعمد ترك السنة ويذهب إلى غيرها؛ لأنه لا حجة لقول أحد مع قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صح.
فإذا لم يوجد في الحادثة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيء , ووُجد فيها عن أصحابه رضي الله عنهم شيء , فهم الأئمة بعده والحجة، اعتبارا بكتاب الله , وبأخبار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما وصفهم في كتابه من الخير والصدق والأمانة، وأنه رضي عنهم وعن من اتبعهم بإحسان , وقال: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (8)
واختلف المفسرون في {أُولِي الْأَمْرِ} فقال بعضهم: هم العلماء، وقال بعضهم: هم الأمراء، وكل هذا قد اجتمع في أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان فيهم الأمراء، والخلفاء، والعلماء , والفقهاء. قال الله - عز وجل -: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [9] أخبر الله - عز وجل - أنه رضي عنهم , ورضي أعمالهم , ورضي عمن اتبعهم بإحسان فهم القدوة في الدين بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإصابة الحق , وأقربهم إلى التوفيق لما يقرب إلى رضاه , وكذلك وصفهم الرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: " خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ " (10)
وقال أيضا ([2]/ 500 - 501): " ولمحبة أهل السنة علامة، ولبغض أهل البدعة علامة , فإذا رأيتَ الرجل يذكر مالك بن أنس، وسفيان بن سعيد الثوري، وعبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، وعبد الله بن المبارك، ومحمد بن إدريس الشافعي، والأئمة المرضيين بخير، فاعلم أنه من أهل السنة.
وإذا رأيتَ الرجلَ يخاصم في دين الله , ويجادل في كتاب الله , فإذا قيل له: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قال: حسبنا كتاب الله، فاعلم أنه صاحب بدعة.
قال علماء أهل السنة: ليس في الدنيا مُبْتَدِع , إلا وَقَدْ نُزِعَتْ حَلَاوَةُ الْحَدِيثِ مِنْ قَلْبِه ". أ. هـ [1] (خ) 6881 , (م) 171 - (1921) [2] عون المعبود (5/ 372) [3] البداية والنهاية ط إحياء التراث (10/ 277) [4] (د) 4607 , (ت) 2676
(5) (خ) 5063 , (م) 5 - (1401) [6] النساء: 80 [7] الشورى: 52
(8) النساء: 59 [9] التوبة: 100
(10) (خ) 2651 , (م) 214 - (2535) , (ت) 2221 (واللفظ له)
نام کتاب : الجامع الصحيح للسنن والمسانيد نویسنده : صهيب عبد الجبار جلد : 1 صفحه : 3