نام کتاب : مجمع الزوائد ومنبع الفوائد - ت حسين أسد نویسنده : الهيثمي، نور الدين جلد : 1 صفحه : 32
والمؤرخين، عرفت كيف تغرسَ فيه الإخلاص، والتضحية والوفاء، فقد كبل الإحسان لسانه، والإحسان يستعبد قلوب الأحرار من الرجال، وجعله الوفاء، والتضحية، والاعتراف بالجميل يهجر الكثير مما تميل إليه النفوس وتشرئب إليه الأعناق. فهو لا ينظر إلى شيخه إلا من خلال نسيج سداه التقدير والاحترام، ولحمته الحياء لأنه رباه ورعاه، وأرشده وأعانه ثم أمنه على كل ما لم يأتمن غيره عليه من العلم والنسب، فكان يرى نفسه أنه جزء من شيخه، وامتداد له. فهو له محب لأن القلوب جبلت على حبّ من أحسن إليها، وهو له الخادم المطيع، لأنه وضع القول: "من علَّمني حرفاً كنت له عبداً" موضع التنفيذ، وقد نجح -رحمه الله- في هذين الأمرين أي نجاح!!
ولذلك فإنني لا أرى للهيثمي من الاستقلال عن شيخه إلا بمقدار ما للغصن في الشجرة من الاستقلال عن أمه، مع ارتباطه الأصيل بها، واعتماده في كل حياته عليها.
وكما أنه من المسلم به أن الغصن يستفيد من الشجرة، فإنه مما لا شك فيه أيضاً أن الشجرة تستمد من أغصانها ما يفيدها في استمرار حياتها.
ولذلك فإنني أزعم أن العراقىِ استفاد من الهيثمي، وأن الهيثمي شريك للعراقي -بنسبة ما، لا أستطيع معرفة شيء عنها الآن لقلة المصادر لدي- في هذا الميراث العظيم الذي تركه الحافظ العراقي.
وكان من المتوقع أن يرى الناس صورة الهيثمي، ورسوخ قدمه، واستقلاله عن شيخه وسيده العراقي، وأن ينثر ما في جعبته، بعد وفاة العراقي سنة (806) هـ ولكن يد المنون اختطفته بعد عام واحد، فاختاره الله للقائه سنة (807) هـ تغمده الله وإيانا برحمته وأسكنه وأسكننا فسيح جنته.
وهكذا انتهت حياة هذا الحافظ الجليل الذي ورث من بيئته المكانية
نام کتاب : مجمع الزوائد ومنبع الفوائد - ت حسين أسد نویسنده : الهيثمي، نور الدين جلد : 1 صفحه : 32