responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود نویسنده : ابن تيمية    جلد : 1  صفحه : 194
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلاً فَقَالَ «مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ». قَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ «أَفَلاَ جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَىْ يَرَاهُ النَّاسُ مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّى» [1]. وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ غَشَّنِي فَلَيْسَ مِنِّي» [2]،فَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ الْغَاشَّ لَيْسَ بِدَاخِلِ فِي مُطْلَقِ اسْمِ أَهْلِ الدِّينِ وَالْإِيمَانِ كَمَا قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ يَزْنِى الزَّانِى حِينَ يَزْنِى وَهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهْوَ مُؤْمِنٌ» [3].
فَسَلَبَهُ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ الَّتِي بِهَا يَسْتَحِقُّ حُصُولَ الثَّوَابِ وَالنَّجَاةِ مِنْ الْعِقَابِ؛ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَصْلُ الْإِيمَانِ الَّذِي يُفَارِقُ بِهِ الْكُفَّارَ وَيَخْرُجُ بِهِ مِنْ النَّارِ.

[1] - صحيح مسلم برقم (295)
السماء: المطر =الصبرة: الكومة المجموعة بلا كيل ولا وزن
وفي شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 206)
فَأَمَّا تَأْوِيل الْحَدِيث فَقِيلَ: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ فَيَكْفُر وَيَخْرُج مِنْ الْمِلَّة، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَيْسَ عَلَى سِيرَتنَا الْكَامِلَة وَهَدْيِنَا. وَكَانَ سُفْيَانُ بْن عُيَيْنَة رَحِمَهُ اللَّه يَكْرَه قَوْل مَنْ يُفَسِّرُهُ بِلَيْسَ عَلَى هَدْيِنَا، وَيَقُولُ بِئْسَ هَذَا الْقَوْل، يَعْنِي بَلْ يُمْسِك عَنْ تَأْوِيلِهِ لِيَكُونَ أَوْقَع فِي النُّفُوس وَأَبْلَغَ فِي الزَّجْر. وَاَللَّه أَعْلَم.
[2] - أخرجه أبي يعلى الموصلي في مسنده برقم (6388) وهو صحيح
[3] - صحيح البخارى برقم (2475 و5578،6772،6810) ومسلم برقم (211)
وفي شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 148)
هَذَا الْحَدِيث مِمَّا اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي مَعْنَاهُ. فَالْقَوْلُ الصَّحِيحُ الَّذِي قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّ مَعْنَاهُ: لَا يَفْعَل هَذِهِ الْمَعَاصِي وَهُوَ كَامِل الْإِيمَان. وَهَذَا مِنْ الْأَلْفَاظ الَّتِي تُطْلَق عَلَى نَفْيِ الشَّيْء وَيُرَاد نَفْي كَمَالِهِ وَمُخْتَاره كَمَا يُقَال: لَا عِلْم إِلَّا مَا نَفَعَ، وَلَا مَال إِلَّا الْإِبِل، وَلَا عَيْش إِلَّا عَيْش الْآخِرَة. وَإِنَّمَا تَأَوَّلْنَاهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ لِحَدِيثِ أَبِي ذَرّ وَغَيْره " مَنْ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه دَخَلَ الْجَنَّة وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ " وَحَدِيث عُبَادَةَ بْن الصَّامِت الصَّحِيح الْمَشْهُور أَنَّهُمْ بَايَعُوهُ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أَنْ لَا يَسْرِقُوا وَلَا يَزْنُوا، وَلَا يَعْصُوا إِلَى آخِره. ثُمَّ قَالَ لَهُمْ - صلى الله عليه وسلم - " فَمَنْ وَفَّى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّه، وَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَته، وَمَنْ فَعَلَ وَلَمْ يُعَاقَب فَهُوَ إِلَى اللَّه تَعَالَى إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ " فَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ مَعَ نَظَائِرهمَا فِي الصَّحِيح مَعَ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} مَعَ إِجْمَاع أَهْل الْحَقّ عَلَى أَنَّ الزَّانِيَ وَالسَّارِقَ وَالْقَاتِلَ وَغَيْرَهُمْ مِنْ أَصْحَاب الْكَبَائِر غَيْر الشِّرْك، لَا يَكْفُرُونَ بِذَلِكَ، بَلْ هُمْ مُؤْمِنُونَ نَاقِصُو الْإِيمَان. إِنْ تَابُوا سَقَطَتْ عُقُوبَتهمْ، وَإِنْ مَاتُوا مُصِرِّينَ عَلَى الْكَبَائِر كَانُوا فِي الْمَشِيئَة. فَإِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى عَفَا عَنْهُمْ وَأَدْخَلَهُمْ الْجَنَّة أَوَّلًا، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ، ثُمَّ أَدْخَلَهُمْ الْجَنَّة. وَكُلّ هَذِهِ الْأَدِلَّة تَضْطَرُّنَا إِلَى تَأْوِيل هَذَا الْحَدِيث وَشِبْهِهِ. ثُمَّ إِنَّ هَذَا التَّأْوِيل ظَاهِرٌ سَائِغ فِي اللُّغَة مُسْتَعْمَلٌ فِيهَا كَثِير. وَإِذَا وَرَدَ حَدِيثَانِ مُخْتَلِفَانِ ظَاهِرًا وَجَبَ الْجَمْع بَيْنهمَا. وَقَدْ وَرَدَا هُنَا فَيُجِبْ الْجَمْع وَقَدْ جَمَعْنَا. وَتَأَوَّلَ بَعْض الْعُلَمَاء هَذَا الْحَدِيث عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مُسْتَحِلًّا لَهُ مَعَ عِلْمه بِوُرُودِ الشَّرْع بِتَحْرِيمِهِ. وَقَالَ الْحَسَن وَأَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بْن جَرِير الطَّبَرِيُّ: مَعْنَاهُ يُنْزَع مِنْهُ اِسْم الْمَدْح الَّذِي يُسَمَّى بِهِ أَوْلِيَاء اللَّه الْمُؤْمِنِينَ، وَيَسْتَحِقُّ اِسْم الذَّمّ فَيُقَال: سَارِق، وَزَانٍ وَفَاجِر، وَفَاسِق. وَحُكِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا أَنَّ مَعْنَاهُ: يُنْزَع مِنْهُ نُور الْإِيمَان. وَفِيهِ حَدِيث مَرْفُوع. وَقَالَ الْمُهَلَّبُ: يُنْزَع مِنْهُ بَصِيرَته فِي طَاعَة اللَّه تَعَالَى. وَذَهَبَ الزُّهْرِيُّ إِلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيث. وَمَا أَشْبَهَهُ، يُؤْمَنُ بِهَا، وَيُمَرُّ عَلَى مَا جَاءَتْ، وَلَا يُخَاض فِي مَعْنَاهَا وَأَنَّا لَا نَعْلَم مَعْنَاهَا. وَقَالَ: أَمِرُّوهَا كَمَا أَمَرَّهَا مَنْ قَبْلكُمْ. وَقِيلَ فِي مَعْنَى الْحَدِيث غَيْر مَا ذَكَرْته مِمَّا لَيْسَ بِظَاهِرٍ، بَلْ بَعْضهَا غَلَطٌ، فَتَرَكْتهَا. وَهَذِهِ الْأَقْوَال الَّتِي ذَكَرْتهَا فِي تَأْوِيله كُلُّهَا مُحْتَمَلَة. وَالصَّحِيح فِي مَعْنَى الْحَدِيث مَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلًا وَاَللَّه أَعْلَم.
نام کتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود نویسنده : ابن تيمية    جلد : 1  صفحه : 194
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست