نام کتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود نویسنده : ابن تيمية جلد : 1 صفحه : 339
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ممّا لا خلاف فيه عند الحنفيّة: أنّ التّعزير لا يبلغ الحدّ، لحديث: «من بلغ حدّاً في غير حدّ فهو من المعتدين» واختلف الحنفيّة في أقصى الجلد في التّعزير:
فيرى أبو حنيفة: أنّه لا يزيد عن تسعة وثلاثين سوطا بالقذف والشّرب، أخذا عن الشّعبيّ، إذ صرف كلمة الحدّ في الحديث إلى حدّ الأرقّاء وهو أربعون.
وأبو يوسف قال بذلك أوّلا، ثمّ عدل عنه إلى اعتبار أقلّ حدود الأحرار وهو ثمانون جلدة.
وجه ما ذهب إليه أبو حنيفة: أنّ الحديث ذكر حدّا منكّرا، وأربعون جلدة حدّ كامل في الأرقّاء عند الحنفيّة في القذف والشّرب، فينصرف إلى الأقلّ.
وأبو يوسف اعتمد على أنّ الأصل في الإنسان الحرّيّة، وحدّ العبد نصف حدّ الحرّ، فليس حدّاً كاملاً، ومطلق الاسم ينصرف إلى الكامل في كلّ باب.
وفي عدد الجلدات روايتان عن أبي يوسف: إحداهما: أنّ التّعزير يصل إلى تسعة وسبعين سوطا، وهي رواية هشام عنه، وقد أخذ بذلك زفر، وهو قول عبد الرّحمن بن أبي ليلى، وهو القياس، لأنّه ليس حدّاً فيكون من أفراد المسكوت عن النّهي عنه في حديث: «من بلغ حدّاً في غير حدّ.»
والثّانية: وهي ظاهر الرّواية عن أبي يوسف: أنّ التّعزير لا يزيد على خمسة وسبعين سوطاً، وروي ذلك أثرا عن عمر رضي الله عنه، كما روي عن عليّ رضي الله عنه أيضاً، وأنّهما قالا: في التّعزير خمسة وسبعون.
وأنّ أبا يوسف أخذ بقولهما في نقصان الخمسة، واعتبر عملهما أدنى الحدود.
وعند المالكيّة قال المازريّ: إنّ تحديد العقوبة لا سبيل إليه عند أحد من أهل المذهب، وقال: إنّ مذهب مالك يجيز في العقوبات فوق الحدّ.
وحكي عن أشهب: أنّ المشهور أنّه قد يزاد على الحدّ.
وعلى ذلك فالرّاجح لدى المالكيّة: أنّ الإمام له أن يزيد التّعزير عن الحدّ، مع مراعاة المصلحة الّتي لا يشوبها الهوى.
وممّا استدلّ به المالكيّة: فعل عمر في معن بن زياد لمّا زوّر كتابا على عمر وأخذ به من صاحب بيت المال مالا، إذ جلده مائة، ثمّ مائة أخرى، ثمّ ثالثة، ولم يخالفه أحد من الصّحابة فكان إجماعاً، كما أنّه ضرب صبيغ بن عسل أكثر من الحدّ.
وروى أحمد بإسناده أنّ عليّا رضي الله عنه أتي بالنّجاشيّ قد شرب خمرا في رمضان فجلده ثمانين «الحدّ» وعشرين سوطا، لفطره في رمضان.
كما روي: أنّ أبا الأسود استخلفه ابن عبّاس رضي الله عنهما على قضاء البصرة فأتي بسارق قد جمع المتاع في البيت ولم يخرجه، فضربه خمسة وعشرين سوطا وخلّى سبيله.
وقالوا في حديث أبي بردة رضي الله عنه: «لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط إلا في حدّ من حدود الله» إنّه مقصور على زمن الرّسول - صلى الله عليه وسلم -، لأنّه كان يكفي الجاني منهم هذا القدر، وتأوّلوه على أنّ المراد بقوله: في حدّ، أي في حقّ من حقوق الله تعالى، وإن لم يكن من المعاصي المقدّر حدودها لأنّ المعاصي كلّها من حدود الله تعالى.
وعند الشّافعيّة: أنّ التّعزير إن كان بالجلد فإنّه يجب أن ينقص عن أقلّ حدود من يقع عليه التّعزير، فينقص في العبد عن عشرين، وفي الحرّ عن أربعين، وهو حدّ الخمر عندهم، وقيل بوجوب النّقص فيهما عن عشرين، لحديث: «من بلغ حدّا في غير حدّ فهو من المعتدين» ويستوي في النّقص عمّا ذكر جميع الجرائم على الأصحّ عندهم.
وقيل بقياس كلّ جريمة بما يليق بها ممّا فيه أو في جنسه حدّ، فينقص على سبيل المثال تعزير مقدّمة الزّنى عن حدّه، وإن زاد على حدّ القذف، وتعزير السّبّ عن حدّ القذف، وإن زاد على حدّ الشّرب.
وقيل في مذهب الشّافعيّة: لا يزيد في أكثر الجلد في التّعزير عن عشر جلدات أخذا بحديث أبي بردة: «لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حدّ من حدود الله» لما اشتهر من قول الشّافعيّ: إذا صحّ الحديث فهو مذهبي، وقد صحّ هذا الحديث.
وعند الحنابلة: اختلفت الرّواية عن أحمد في قدر جلد التّعزير، فروي أنّه لا يبلغ الحدّ.
وقد ذكر الخرقيّ هذه الرّواية، والمقصود بمقتضاها: أنّه لا يبلغ بالتّعزير أدنى حدّ مشروع، فلا يبلغ بالتّعزير أربعين، لأنّ الأربعين حدّ العبد في الخمر والقذف، ولا يجاوز تسعة وثلاثين سوطاً في الحرّ، ولا تسعة عشر في العبد على القول بأنّ حدّ الخمر أربعون سوطاً.
ونصّ مذهب أحمد: أن لا يزاد على عشر جلدات في التّعزير، للأثر: «لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط إلّا في حدّ.» إلا ما ورد من الآثار مخصّصا لهذا الحديث، كوطء جارية امرأته بإذنها، ووطء جارية مشتركة المرويّ عن عمر.
قال ابن قدامة: ويحتمل كلام أحمد والخرقيّ: أنّه لا يبلغ التّعزير في كلّ جريمة حدّا مشروعاً في جنسها، ويجوز أن يزيد على حدّ غير جنسها، وقد روي عن أحمد ما يدلّ على هذا.
واستدلّ بما روي عن النّعمان بن بشير رضي الله عنهما فيمن وطئ جارية امرأته بإذنها: أنّه يجلد مائة جلدة، وهذا تعزير، لأنّ عقاب هذه الجريمة للمحصن الرّجم، وبما روي عن سعيد بن المسيّب عن عمر رضي الله عنه في الرّجل الّذي وطئ أمة مشتركة بينه وآخر: أنّه يجلد الحدّ إلّا سوطاً واحداً، وقد احتجّ بهذا الحديث أحمد.
وقد زاد ابن تيميّة وابن القيّم رأياً رابعاً: هو أنّ التّعزير يكون بحسب المصلحة، وعلى قدر الجريمة، فيجتهد فيه وليّ الأمر على ألا يبلغ التّعزير فيما فيه حدّ مقدّر ذلك المقدّر، فالتّعزير على سرقة ما دون النّصاب مثلا لا يبلغ به القطع، وقالا: إنّ هذا هو أعدل الأقوال، وإنّ السّنّة دلّت عليه، كما مرّ في ضرب الّذي أحلّت له امرأته جاريتها مائة لا الحدّ وهو الرّجم، كما أنّ عليّا وعمر رضي الله عنهما ضربا رجلا وامرأة وجدا في لحاف واحد مائة مائة، وحكم عمر رضي الله عنه فيمن قلّد خاتم بيت المال بضربه ثلاثمائة على مرّات، وضرب صبيغ بن عسل للبدعة ضربا كثيرا لم يعدّه.
وخلاصة مذهب الحنابلة: أنّ فيه من يقول بأنّ التّعزير لا يزيد على عشر جلدات، ومن يقول: بأنّه لا يزيد على أقلّ الحدود، ومن يقول: بأنّه لا يبلغ في جريمة قدر الحدّ فيها، وهناك من يقول: بأنّه لا يتقيّد بشيء من ذلك، وأنّه يكون بحسب المصلحة، وعلى قدر الجريمة، فيما ليس فيه حدّ مقدّر.
والرّاجح عندهم التّحديد سواء أكان بعشر جلدات أم بأقلّ من أدنى الحدود أم بأقلّ من الحدّ المقرّر لجنس الجريمة.
وما ذكر هو عن الحدّ الأعلى، أمّا عن الحدّ الأدنى فقد قال القدوريّ: إنّه ثلاث جلدات، لأنّ هذا العدد أقلّ ما يقع به الزّجر.
ولكنّ غالبيّة الحنفيّة على أنّ الأمر في أقلّ جلد التّعزير مرجعه الحاكم، بقدر ما يعلم أنّه يكفي للزّجر.
وقال في الخلاصة: إنّ اختيار التّعزير إلى القاضي من واحد إلى تسعة وثلاثين، وقريب من ذلك تصريح ابن قدامة، فقد قال: إنّ أقلّ التّعزير ليس مقدّراً فيرجع فيه إلى اجتهاد الإمام أو الحاكم فيما يراه وما تقتضيه حال الشّخص.
وانظر المدونة - (ج 15 / ص 122).
نام کتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود نویسنده : ابن تيمية جلد : 1 صفحه : 339