responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود نویسنده : ابن تيمية    جلد : 1  صفحه : 93
الثالثة: أن يكون راضياً بالمنكر الذي يعمله السلطان متابعاً له عليه، فهذا شريكه في الإثم؛ فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ «إِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ وَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ سَلِمَ وَلَكِنْ مَنْ رَضِىَ وَتَابَعَ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ نُقَاتِلُهُمْ قَالَ «لاَ مَا صَلَّوْا». أَىْ مَنْ كَرِهَ بِقَلْبِهِ وَأَنْكَرَ بِقَلْبِهِ [1].
سابعها: الآمر بالمعروف النَّاهي عن المُنكر بين يدي المُستبدِّ الظَّالم، لا بُدَّ له من أن يزن عمله بميزان الشَّرع مع تنحيته الهوى جانباً، فإذا تعارضت المصالح والمفاسد فلا بُدَّ من عِلْمٍ غزير، وبصيرةٍ نافذةٍ، وإحاطةٍ بواقع الأمر كُلِّه، حتى لا يكون نهيه عن المُنكر ـ في ذاته ـ مُنْكراً، ولا يكون أمره بالمعروف في مقابل تضييع معروفٍ أعظم، وتفويت منفعةٍ أكبر. يقول الإمام أبو عبد الله بن القيِّم رحمه الله: " ... النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - شرع لأُمَّته إيجابَ إنكار المُنكر؛ ليحصل ـ بإنكاره ـ من المعروف ما يُحِبُّه الله ورسوله، فإذا كان إنكار المُنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله فإنَّه لا يسوغ إنكاره ..
فإنكار المُنكر أربع درجات، الأولى: أن يزول ويَخْلُفَه ضِدُّه، الثَّانية: أن يقلَّ وإن لم يَزُلْ بجُمْلَتِهِ، الثَّالثة: أن يَخْلُفَه ما هو مثله، الرَّابعة: أن يَخْلُفَه ما هو شرٌّ منه، فالدَّرجتان الأوليان مشروعتان، والثَّالثة موضع اجتهاد، والرَّابعة مُحَرَّمة" [2].
ثامنها: لا يعني إنكار المُنكر الدَّعْوَة إلى الخُرُوج على أُمَراء الجَوْر والحُكَّام الظَّالمين، خاصَّة في زماننا هذا الذي صارت مفسدة الخُرُوج فيه عظيمةً، من تقتيل الدُّعاة وسفك دماء الأبرياء والتَّضييق على الدَّعْوة، ولربَّما أدَّى الأمر إلى أن تُدكَّ البلاد دكّاً دكّاً .. إذ الظالمون أحرص النَّاس على مُلكٍ وجاهٍ، فما إن يسمع أحدهم ببادرة خُرُوجٍ أو عصيان حتى يطيش لُبُّه، ويذهب حِلْمُه، ويغلب عليه شيطانه؛ فلا يبالي بما يفعل، وأعظم من هذا كله أن يَسُدَّ منافذَ تبليغ الدَّعوة ونشر العلم الشَّرعي الصحيح، ويفتح الأبواب ـ بدلاً من ذلك ـ لأهل البدَع والخُرَافات والأباطيل والتَّرَّهات، ليُضلُّوا النَّاس عن سواء السَّبيل، وتنشأ أجيال من المُسلمين لا تعرف من دين الله إلا صورةً شائهةً، وعباداتٍ ميتةً لا روح فيها ولا حياة [3].

[1] - صحيح مسلم برقم (4907) وانظر أضواء البيان 2/ 178
[2] - إعلام الموقعين عن رب العالمين - (ج 3 / ص 151) و انظر في ذلك كلاماً نفسياً لشيخ الإسلام أبي العباس ابن تيمية -رحمه الله- في الحسبة 76.
[3] - هناك فرق كبير بين إمام جائر ومع هذا يحكم بما أنزل الله، فهذا لا يجب الخروج عليه، ولكن إذا كان خارجاً عن الشريعة أصلاً موالياً لأعداء الله تعالى ورسوله، مقربا الفجار مطارداً للأخيار، فلا خلاف في الخروج عليه، وأن ولايته على المسلمين باطلة
وفي فتح الباري لابن حجر - (ج 20 / ص 59)
قَوْله (عِنْدَكُمْ مِنْ اللَّه فِيهِ بُرْهَان) أَيْ نَصّ آيَة أَوْ خَبَر صَحِيح لَا يَحْتَمِل التَّأْوِيل، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَجُوز الْخُرُوج عَلَيْهِمْ مَا دَامَ فِعْلهمْ يَحْتَمِل التَّأْوِيل، قَالَ النَّوَوِيّ: الْمُرَاد بِالْكُفْرِ هُنَا الْمَعْصِيَة، وَمَعْنَى الْحَدِيث لَا تُنَازِعُوا وُلَاة الْأُمُور فِي وِلَايَتهمْ وَلَا تَعْتَرِضُوا عَلَيْهِمْ إِلَّا أَنْ تَرَوْا مِنْهُمْ مُنْكَرًا مُحَقَّقًا تَعْلَمُونَهُ مِنْ قَوَاعِد الْإِسْلَام؛ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَأَنْكِرُوا عَلَيْهِمْ وَقُولُوا بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كُنْتُمْ اِنْتَهَى. وَقَالَ غَيْره: الْمُرَاد بِالْإِثْمِ هُنَا الْمَعْصِيَة وَالْكُفْر، فَلَا يُعْتَرَض عَلَى السُّلْطَان إِلَّا إِذَا وَقَعَ فِي الْكُفْر الظَّاهِر، وَاَلَّذِي يَظْهَر حَمْل رِوَايَة الْكُفْر عَلَى مَا إِذَا كَانَتْ الْمُنَازَعَة فِي الْوِلَايَة فَلَا يُنَازِعهُ بِمَا يَقْدَح فِي الْوِلَايَة إِلَّا إِذَا اِرْتَكَبَ الْكُفْر، وَحَمْل رِوَايَة الْمَعْصِيَة عَلَى مَا إِذَا كَانَتْ الْمُنَازَعَة فِيمَا عَدَا الْوِلَايَة، فَإِذَا لَمْ يَقْدَح فِي الْوِلَايَة نَازَعَهُ فِي الْمَعْصِيَة بِأَنْ يُنْكِر عَلَيْهِ بِرِفْقٍ وَيَتَوَصَّل إِلَى تَثْبِيت الْحَقّ لَهُ بِغَيْرِ عُنْف، وَمَحَلّ ذَلِكَ إِذَا كَانَ قَادِرًا وَاَللَّه أَعْلَم. وَنَقَلَ اِبْن التِّين عَنْ الدَّاوُدِيِّ قَالَ: الَّذِي عَلَيْهِ الْعُلَمَاء فِي أُمَرَاء الْجَوْر أَنَّهُ إِنْ قَدَرَ عَلَى خَلْعه بِغَيْرِ فِتْنَة وَلَا ظُلْم وَجَبَ، وَإِلَّا فَالْوَاجِب الصَّبْر. وَعَنْ بَعْضهمْ لَا يَجُوز عَقْد الْوِلَايَة لِفَاسِقٍ اِبْتِدَاء، فَإِنْ أَحْدَثَ جَوْرًا بَعْدَ أَنْ كَانَ عَدْلًا فَاخْتَلَفُوا فِي جَوَاز الْخُرُوج عَلَيْهِ، وَالصَّحِيح الْمَنْع إِلَّا أَنْ يُكَفِّر فَيُجِبْ الْخُرُوج عَلَيْهِ.
وفي شرح النووي على مسلم - (ج 6 / ص 314)
وَمَعْنَى الْحَدِيث: لَا تُنَازِعُوا وُلَاة الْأُمُور فِي وِلَايَتهمْ، وَلَا تَعْتَرِضُوا عَلَيْهِمْ إِلَّا أَنْ تَرَوْا مِنْهُمْ مُنْكَرًا مُحَقَّقًا تَعْلَمُونَهُ مِنْ قَوَاعِد الْإِسْلَام، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَأَنْكِرُوهُ عَلَيْهِمْ، وَقُولُوا بِالْحَقِّ حَيْثُ مَا كُنْتُمْ، وَأَمَّا الْخُرُوج عَلَيْهِمْ وَقِتَالهمْ فَحَرَام بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ كَانُوا فَسَقَة ظَالِمِينَ.
وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيث بِمَعْنَى مَا ذَكَرْته، وَأَجْمَعَ أَهْل السُّنَّة أَنَّهُ لَا يَنْعَزِل السُّلْطَان بِالْفِسْقِ، وَأَمَّا الْوَجْه الْمَذْكُور فِي كُتُب الْفِقْه لِبَعْضِ أَصْحَابنَا أَنَّهُ يَنْعَزِل، وَحُكِيَ عَنْ الْمُعْتَزِلَة أَيْضًا، فَغَلَط مِنْ قَائِله، مُخَالِف لِلْإِجْمَاعِ.
قَالَ الْعُلَمَاء: وَسَبَب عَدَم اِنْعِزَاله وَتَحْرِيم الْخُرُوج عَلَيْهِ مَا يَتَرَتَّب عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْفِتَن، وَإِرَاقَة الدِّمَاء، وَفَسَاد ذَات الْبَيْن، فَتَكُون الْمَفْسَدَة فِي عَزْله أَكْثَر مِنْهَا فِي بَقَائِهِ.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الْإِمَامَة لَا تَنْعَقِد لِكَافِرٍ، وَعَلَى أَنَّهُ لَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ الْكُفْر اِنْعَزَلَ، قَالَ: وَكَذَا لَوْ تَرَكَ إِقَامَة الصَّلَوَات وَالدُّعَاء إِلَيْهَا، قَالَ: وَكَذَلِكَ عِنْد جُمْهُورهمْ الْبِدْعَة، قَالَ: وَقَالَ بَعْض الْبَصْرِيِّينَ: تَنْعَقِد لَهُ، وَتُسْتَدَام لَهُ لِأَنَّهُ مُتَأَوِّل، قَالَ الْقَاضِي: فَلَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ كُفْر وَتَغْيِير لِلشَّرْعِ أَوْ بِدْعَة خَرَجَ عَنْ حُكْم الْوِلَايَة، وَسَقَطَتْ طَاعَته، وَوَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْقِيَام عَلَيْهِ، وَخَلْعه وَنَصْب إِمَام عَادِل إِنْ أَمْكَنَهُمْ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَقَع ذَلِكَ إِلَّا لِطَائِفَةٍ وَجَبَ عَلَيْهِمْ الْقِيَام بِخَلْعِ الْكَافِر، وَلَا يَجِب فِي الْمُبْتَدِع إِلَّا إِذَا ظَنُّوا الْقُدْرَة عَلَيْهِ، فَإِنْ تَحَقَّقُوا الْعَجْز لَمْ يَجِب الْقِيَام، وَلْيُهَاجِرْ الْمُسْلِم عَنْ أَرْضه إِلَى غَيْرهَا، وَيَفِرّ بِدِينِهِ، قَالَ: وَلَا تَنْعَقِد لِفَاسِقٍ اِبْتِدَاء، فَلَوْ طَرَأَ عَلَى الْخَلِيفَة فِسْق قَالَ بَعْضهمْ: يَجِب خَلْعه إِلَّا أَنْ تَتَرَتَّب عَلَيْهِ فِتْنَة وَحَرْب، وَقَالَ جَمَاهِير أَهْل السُّنَّة مِنْ الْفُقَهَاء وَالْمُحَدِّثِينَ وَالْمُتَكَلِّمِينَ: لَا يَنْعَزِل بِالْفِسْقِ وَالظُّلْم وَتَعْطِيل الْحُقُوق، وَلَا يُخْلَع وَلَا يَجُوز الْخُرُوج عَلَيْهِ بِذَلِكَ، بَلْ يَجِب وَعْظه وَتَخْوِيفه؛ لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَة فِي ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي: وَقَدْ اِدَّعَى أَبُو بَكْر بْن مُجَاهِد فِي هَذَا الْإِجْمَاع، وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ بَعْضهمْ هَذَا بِقِيَامِ الْحَسَن وَابْن الزُّبَيْر وَأَهْل الْمَدِينَة عَلَى بَنِي أُمَيَّة، وَبِقِيَامِ جَمَاعَة عَظْمِيَّة مِنْ التَّابِعِينَ وَالصَّدْر الْأَوَّل عَلَى الْحَجَّاج مَعَ اِبْن الْأَشْعَث، وَتَأَوَّلَ هَذَا الْقَائِل قَوْله: أَلَّا نُنَازِع الْأَمْر أَهْله فِي أَئِمَّة الْعَدْل، وَحُجَّة الْجُمْهُور أَنَّ قِيَامهمْ عَلَى الْحَجَّاج لَيْسَ بِمُجَرَّدِ الْفِسْق، بَلْ لَمَّا غَيَّرَ مِنْ الشَّرْع وَظَاهَرَ مِنْ الْكُفْر، قَالَ الْقَاضِي: وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا الْخِلَاف كَانَ أَوَّلًا ثُمَّ حَصَلَ الْإِجْمَاع عَلَى مَنْع الْخُرُوج عَلَيْهِمْ. وَاَللَّه أَعْلَم
نام کتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود نویسنده : ابن تيمية    جلد : 1  صفحه : 93
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست