نام کتاب : الإخنائية أو الرد على الإخنائي - ت زهوي نویسنده : ابن تيمية جلد : 1 صفحه : 89
الجواب الثاني: وهو أنه خاطبهم بما كانوا يعرفونه من الزيارة، وهم لم يكونوا يعرفون زيارة القبور إلا كما يعرفون اتّباع الجنائز، يتّبعون الجنازة من البيت إلى المقبرة، وكذلك يخرج أحدهم لزيارة القبور من البيت إلى المقبرة، أو يمرّ بالقبر مرورا، فهذا هو الذي كانوا يعرفونه ويفهمونه من قوله.
قال أحمد بن القاسم: سئل أحمد بن حنبل رضي الله عنه عن الرجل يزور قبر أخيه الصالح ويتعمّد إتيانه؟
قال: وما بأس بذلك؟ قد زار الناس القبور. قال: وقد ذهبنا نحن إلى قبر عبد الله بن المبارك، وقال حنبل: سئل أبو عبد الله عن زيارة القبور، فقال: قد رخّص فيها رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأذن فيها بعد، فلا بأس أن يأتي الرجل قبر أبيه أو أمه أو ذي قرابته؛ فيدعو له ويستغفر له فينصرف.
قال علي بن سعد: سألت أحمد؛ قلت: زيارة القبور تركها أفضل عندك أم زيارتها؟ قال: زيارتها.
ولهذا إنما زار النبي صلى الله عليه وسلّم قبر أمه لما سافر لفتح مكة، فزارها في الطريق، لم يسافر لذلك، ولا كان أحد على عهد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ولا عهد الصحابة والتابعين وتابعيهم يسافر لزيارة قبر، لا قبر نبيّ ولا صالح ولا غيرهما، لا قبر نبينا صلى الله عليه وسلّم ولا إبراهيم عليه السلام، ولا غيره، بل هذا إنما حدث بعد ذلك، ولا كان في الإسلام مشهد على قبر أو أثر نبي أو رجل صالح يسافر إليه، بل ولا يزار للصلاة والدعاء عنده، بل هذا كله محدث. بل ولا كانوا يزورون القبور للتبرّك بالميت ودعائه والدعاء به، وإنما كانوا يزورونه إن كان مؤمنا للدعاء له والاستغفار، كما يصلّون على جنازته، وإن كان غير مسلم زاروه رقّة عليه، كما زار النبي صلى الله عليه وسلّم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله، وقال في الحديث الصحيح: الذي رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: «استأذنت ربي في أن أزور قبر أمي، فأذن لي، واستأذنته في أن أستغفر لها فلم يأذن لي» [1].
ومن هنا يظهر الجواب الثالث: وهو أن الزيارة التي أذن فيها الرسول أو ندب إليها أو فعلها مقصودها نفع الميت والإحسان إليه بالدعاء له والاستغفار، ومقصودها تذكّر الموت أو الرقة على الميت، لم يكن مقصودها أن تعود بركة الميت المزور على الحيّ الزائر، ولا أن يدعوه ويسأله ويستشفع به، فإن النبي صلى الله عليه وسلّم لما زار قبور أهل البقيع وقبور الشهداء لم يكن هذا مقصوده. ومن قال هذا؛ فقد أعظم الفرية على الرسول صلى الله عليه وسلّم وجعله مستشفعا بأصحابه الموتى داعيا مستغيثا مستجيرا بهم، وهذا لا [1] أخرجه مسلم (976).
نام کتاب : الإخنائية أو الرد على الإخنائي - ت زهوي نویسنده : ابن تيمية جلد : 1 صفحه : 89