responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي = الداء والدواء نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 186
وَتَأَمَّلْ كَيْفَ قَالَ: " فَبِي يَسْمَعُ، وَبِي يُبْصِرُ " وَلَمْ يَقُلْ: فَلِي يَسْمَعُ، وَلِي يُبْصِرُ، وَرُبَّمَا يَظُنُّ الظَّنَّانُ أَنَّ اللَّامَ أَوْلَى بِهَذَا الْمَوْضِعِ، إِذْ هِيَ أَدَلُّ عَلَى الْغَايَةِ، وَوُقُوعُ هَذِهِ الْأُمُورِ لِلَّهِ، وَذَلِكَ أَخَصُّ مِنْ وُقُوعِهَا بِهِ، وَهَذَا مِنَ الْوَهْمِ وَالْغَلَطِ، إِذْ لَيْسَتِ الْبَاءُ هَاهُنَا بِمُجَرَّدِ الِاسْتِعَانَةِ، فَإِنَّ حَرَكَاتِ الْأَبْرَارِ وَالْفُجَّارِ وَإِدْرَاكَاتِهِمْ إِنَّمَا هِيَ بِمَعُونَةِ اللَّهِ لَهُمْ، وَإِنَّ الْبَاءَ هَاهُنَا لِلْمُصَاحَبَةِ، أَيْ: إِنَّمَا يَسْمَعُ وَيُبْصِرُ وَيَبْطِشُ وَيَمْشِي وَأَنَا صَاحِبُهُ مَعَهُ، كَقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: " «أَنَا مَعَ عَبْدِي مَا ذَكَرَنِي وَتَحَرَّكَتْ بِي شَفَتَاهُ» " وَهَذِهِ هِيَ الْمَعِيَّةُ الْخَاصَّةُ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 40] .
وَقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا» ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [سُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ: 69] .
وَقَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [سُورَةُ النَّحْلِ: 128] .
وَقَوْلِهِ: {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 46] .
وَقَوْلِهِ: {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [سُورَةُ الشُّعَرَاءِ: 62] .
وَقَوْلِهِ تَعَالَى لِمُوسَى وَهَارُونَ: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [سُورَةُ طه: 46] .
فَهَذِهِ الْبَاءُ مُفِيدَةٌ لِمَعْنَى هَذِهِ الْمَعِيَّةِ دُونَ اللَّامِ، وَلَا يَتَأَتَّى لِلْعَبْدِ الْإِخْلَاصُ وَالصَّبْرُ وَالتَّوَكُّلُ، وَنُزُولُهُ فِي مَنَازِلِ الْعُبُودِيَّةِ إِلَّا بِهَذِهِ الْبَاءِ وَهَذِهِ الْمَعِيَّةِ.
فَمَتَى كَانَ الْعَبْدُ بِاللَّهِ هَانَتْ عَلَيْهِ الْمَشَاقُّ، وَانْقَلَبَتِ الْمَخَاوِفُ فِي حَقِّهِ، فَبِاللَّهِ يَهُونُ كُلُّ صَعْبٍ، وَيَسْهُلُ كُلُّ عَسِيرٍ، وَيَقْرُبُ كُلُّ بَعِيدٍ، وَبِاللَّهِ تَزُولُ الْهُمُومُ وَالْغُمُومُ وَالْأَحْزَانُ، فَلَا هَمَّ مَعَ اللَّهِ، وَلَا غَمَّ وَلَا حَزَنَ إِلَّا حَيْثُ يُفَوِّتُهُ الْعَبْدُ مَعْنَى هَذِهِ الْبَاءِ، فَيَصِيرُ قَلْبُهُ حِينَئِذٍ كَالْحُوتِ، إِذَا فَارَقَ الْمَاءَ يَثِبُ وَيَنْقَلِبُ حَتَّى يَعُودَ إِلَيْهِ.
وَلَمَّا حَصَلَتْ هَذِهِ الْمُوَافَقَةُ مِنَ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ فِي مَحَابِّهِ؛ حَصَلَتْ مُوَافَقَةُ الرَّبِّ لِعَبْدِهِ فِي حَوَائِجِهِ وَمَطَالِبِهِ، فَقَالَ: «وَلَئِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ» ". أَيْ: كَمَا وَافَقَنِي فِي مُرَادِي بِامْتِثَالِ أَوَامِرِي وَالتَّقَرُّبِ بِمَحَابِّي، فَأَنَا أُوَافِقُهُ فِي رَغْبَتِهِ وَرَهْبَتِهِ فِيمَا يَسْأَلُنِي أَنْ أَفْعَلَهُ بِهِ، وَيَسْتَعِيذُنِي أَنْ يَنَالَهُ، وَقَوِيَ أَمْرُ هَذِهِ الْمُوَافَقَةِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ حَتَّى اقْتَضَى تَرَدُّدَ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ

نام کتاب : الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي = الداء والدواء نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 186
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست