كذلك -أيضاً- دلّت السُّنة على ذلك فإنّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- توضّأ، ولم يثبت عنه في حديث صحيح أنه توضأ، وترك غسل وجهه، ففي الصحيحين من حديث حمران مولى عثمان عن أمير المؤمنين عثمان -رضي الله عنه وأرضاه- أنه دعا بوَضُوءٍ، فأكْفأَ على كفيهِ، فغسلهما ثلاثاً، ثمّ تَمضْمَضَ، واسْتَنْشَقَ ثلاثاً، ثمّ غَسَل وجْهَهَ ... إلخ، ومثله في حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه في الصحيح، وحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه في السنن كلها وصفت وضوءَ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنه غسل وجهه فيه، ولذلك أجمع العلماء -رحمة الله عليهم- على أن غسل الوجه فرض من فرائض الوضوء، فلو توضأ إنسان، ولم يغسل الوجه لم يصحّ وضوءه بإجماع العلماء -رحمة الله عليهم-.
قوله رحمه الله: [والفَمُ، والأنفُ منه]: بعد أن بين أن الوجه يجب غسله شرع رحمه الله في بيان ما يُعتبر من الوجه، وما لا يُعتبر منه، فبيّن أن داخل الفم، والأنف يعتبر من الوجه، وهذا هو أحد أقوال العلماء الثلاثة في هذه المسألة، وبيانها فيما يلى:
القول الأول: أنه ليس من الوجه، فغسله سُنّة، وليس بواجب، وهذا هو مذهب الحنفية، والمالكية، والشافعية، ورواية عن الإمام أحمد رحم الله الجميع.
القول الثاني: أن داخلهما من الوجه، فيُعتبر غسله فرضاً من فرائض الوضوء، وهذا هو مذهب الظاهرية ورواية عن الإمام أحمد رحمة الله على الجميع.