القول الثالث: أن داخل الأنف من الوجه، دون داخل الفم بمعنى أن الفرض هو: الإستنشاق، دون المضمضة، وهو رواية عن الإمام أحمد، وقول بعض أهل الحديث رحمة الله على الجميع.
وقد بينتُ أدلتهم، ومناقشاتهم في شرح بلوغ المرام، وأن الذي يترجح في نظري، والعلم عند الله هو القول بعدم وجوبهما في الوضوء، وأن داخلهما ليس من الوجه المأمور بغسله، وذلك لما يلي:
أولاً: لصحة دلالة الكتاب، والسنة على ذلك، أما دليل الكتاب فقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} ووجه الدلالة: أن الله تعالى أمر بغسل الوجه، والوجه في حقيقته اللغوية: ما تحصل به المواجهة، وهي إنما تكون بظاهر الوجه، لا بباطنه، وهو داخل الفم، والأنف، فاللسان العربي في حقيقة الوجه لا يشمل باطن الفم، والأنف، وإنما يختص بظاهر الوجه، وحْدَهُ، والقرآن نزل بلسان العرب، ويُفسَّر به كما هو معلوم.
وقد أكّدت السُّنة هذا المعنى كما في حديث الترمذي أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جاءه أعرابي؛ فقال: -يا رسول الله- كيف أتوضأ؟ " أي صف لي الوضوء الذي أصلي به " فقال عليه الصلاة والسلام: [تَوضأ كَما أَمَركَ اللهُ] أي اقرأ كتاب الله، وما وجدت في آية المائدة، فافعله قالوا: فردّ النبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الأعرابيَ إلى ظاهر القرآن، وهذا أعرابي لا يعرف الوضوء إذ لو كان عالماً بالوضوء لما سأل، فكونه يردّه إلى ظاهر القرآن، فإن هذا واضح في دلالته