الدليل الثاني لهم السُّنة: وهو: [أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- توضّأ، فمسح جميع رأسه]، كما ثبت ذلك في صفة وضوئه في الأحاديث الواردة في الصحيحين وغيرهما، ولم يحفظ عنه في حديث صحيح أنه اقتصر على بعض الرأس، أو جزء من الرأس، أو على ثلاث شعرات منه، فلو كان الاقتصار على البعض جائزاً لفعله، ولو مرة واحدة -صلوات الله وسلامه عليه-.
هذا بالنسبة لأدلة من قال بوجوب مسح الرأس كله.
وأما دليل من قال: إنه يجب مسح ربع الرأس، وهم الحنفية -رحمة الله عليهم- فقد إحتجوا أولاً بالآية فقالوا: إن قوله {امْسَحُوا بِرُءُوسِكُم} الباء للتبعيض، وهذا معروف في لغة العرب كما قال تعالى: {وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ} [1] فليس المراد أنه أخذ الرأس كلِّه، ولكن أخذ البعض فَنُزِّل منزلة الكل، وتقول: أخذت برأس اليتيم، وليس المراد أنك أخذت بالرأس كلِّه؛ وإنما أخذت بعضه فكأنك أخذت الكل؛ لأنه بمجرد شدِّك لجزء من الرأس ينشدُّ جميع الرأس فيقال: أخذ برأسه فقوله: {امْسَحُوا بِرُءُوسِكُم} للتبعيض.
وأما الدليل الثاني فقد إحتجوا: بحديث المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما توضأ في غزوة تبوك: [مسحَ بِنَاصِيَته، وعلى العِمَامَةِ] قالوا: والناصية تقدّر بربع الرأس، ولذلك يقدّرونها بأكثر أصابع الكفّ فلا يجزئ المسح بما دونها، وهذا أصل عندهم، وتوضيحه من باب الفائدة: أن عندهم [1] الأعراف، آية: 150.