نام کتاب : وظيفة الصورة الفنية في القرآن نویسنده : عبد السلام أحمد الراغب جلد : 1 صفحه : 339
وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً الكهف: 47 - 48، فالهول هنا يرتسم في مشهد الجبال المسيّرة، والأرض المكشوفة بلا نتوء ولا جبال، والحشر الجامع للبشر، العرض الكامل لهم، أمام الله سبحانه للحساب والجزاء، ويترك للخيال أن يستحضر صورة الحشر للبشر، على امتداد الزمان والمكان، ليدرك أهوال ذلك اليوم، ويعرف نفسه وسط هذه الجموع الحاشدة، وهو يتجه إلى الحساب.
وتجمع الصورة أحيانا مشهد الحشر، ومشهد إنكاره، لتحقيق الغرض الديني في التأثير في النفوس كقوله تعالى: وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا، أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ، ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا، ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا، ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا مريم: 66 - 70.
ويتجاور هنا في السياق، مشهد إنكار البعث، ومشهد الحشر، لبيان عاقبة الإنكار في الإلقاء في النار، وصورتهم وهم جاثون على الركب أمام النار، ينتظرون دورهم في إلقائهم فيها، صورة حسية مرعبة فيها تعذيب نفسي لهم قبل العذاب الحسي، كما أنها توحي باحتقارهم، وهوانهم.
ثم هناك حركة الانتزاع القوية التي تأخذ الواحد تلو الآخر من مشهد الجاثين، لإلقائه في النار ويكفي الإنسان خوفا وهلعا أن يتصور مشهد الجثوّ على الركب، ينتظر دوره، لا يعرف متى ينتزع من مشهد الجاثين ليصبح من ضمن المحترقين في النار.
كما يحشر الجن، ومن والاهم من الإنس، ثم يدور الحوار بينهم، وكل واحد يتهم الآخر، ثمّ يعترفون بذنبهم حين لا ينفع الندم: قال تعالى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها الأنعام: 128.
والمشهد حي شاخص، يجمع الجن والإنس، وكأنه حاضر أمامنا الآن من خلال الحوار الحي، فيبدأ المشهد بأسلوب الغائب، ثم ينتقل إلى الخطاب وهذا الانتقال يجعل الحدث المستقبل حاضرا كأنه مشاهد، ويزيد من حيويته، وتأثيره في النفوس. لأن النفوس لا تتعامل معه على أنه مستقبل بعيد وإنما هو حاضر تراه العيون.
نام کتاب : وظيفة الصورة الفنية في القرآن نویسنده : عبد السلام أحمد الراغب جلد : 1 صفحه : 339