نام کتاب : نظرات في كتاب الله نویسنده : حسن البنا جلد : 1 صفحه : 204
الم [1] أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ [العنكبوت: [1] - 3]، ومن ذلك ترى أن الاختبار كما يكون تدريبا على المقاومة يكون دليلا على الإيمان والتسليم، فإذا صبر العبد وسلّم، كان ذلك دليل إيمانه، فيرفع الله درجته، ويعلى منزلته، وكان الابتلاء وسيلة إلى رفع الدرجات وإعلاء الرتب ونوال الفضل، وربما منعك فأعطاك وربما أعطاك فمنعك [1]: إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ [الزمر: 10].
والتمرينات التى ذكرتها الآية الكريمة أنواع منها:
(الخوف) وإنما بدأ القرآن به لأنه غريزة مستقرة فى النفس، لاصقة بالفؤاد، تولد مع المرء منذ ولد، وتتحرك لأدنى مؤثر، وتتولد عنها الأوهام والخرافات، فإذا استطاع الإنسان أن يكبح جماحها، وألا يتأثر بمثيراتها خمدت وسكنت، وذهب من نفسه ما تولد عنها من الجبن والوهم والخرافة، وصار شجاعا قوىّ النفس بعد أن كان رعديدا خائر العزيمة، وبذلك يحسن استعداده النفسى، وتكون الصدمات التى تلا هذه الصدمة أقل منها أثرا وأضعف خطرا.
يلى ذلك: (الجوع) وإنما ثنّى به القرآن الكريم، لأنه ألم الجسم، فإذا تعوّد الإنسان مقاومة دواعيه، والصبر على حرارته، فقد قوى جسمه، وصلب غوده، وانضمت قوة جسمه بمقاومة الجوع إلى قوة روحه بمقاومة الخوف، فكان إنسانا كاملا جسما وروحا.
يأتى بعد هذين التدريب الثالث فى قوله تعالى: (وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ) وهو الصبر على مفارقة المألوفات من مظاهر البيئة القريبة إلى الشخص، الحبيبة إلى النفس، وللألفة على القلب سلطان، ولها فى النفس منزلة، ورحم الله أبا الطيب إذ يقول:
خلقت ألوفا ولو رحلت إلى الصبا ... لفارقت شيبى موجع القلب باكيا
هذه المألوفات التى تعوق الإنسان عن العظائم، وتحول بينه وبين الجد فى المطالب يريد القرآن أن يعوّد الأمة الصبر على مفارقتها، وعدم الركون إليها حتى يتحرّر الإنسان حرية كاملة، وحتى لا يقف شىء دون وصوله إلى الغاية. [1] من حكم ابن عطاء الله السكندرى.
نام کتاب : نظرات في كتاب الله نویسنده : حسن البنا جلد : 1 صفحه : 204