البلاد، وأخرى فى قضاء العساكر والاجناد، فحال بيني وبين ما كنت أخال، تراكم المهمات وتزاحم الاشغال، وجموح العوارض والعلائق، وهجوم الصوارف والعوائق والتردد إلى المغازى والأسفار، والتنقل من دار إلى دار .. وكنت فى تضاعيف هاتيك الامور، أقدر فى نفسى أن انتهز نهزه من الدهور، ويتسنى لى القرار، وتطمئن بى الدار، وأظفر حينئذ بوقت خال، أتبتل فيه جانب ذى العظمة والجلال، وأوجه إليه وجهتى، وأسلم له سرى وعلانيتى، وأنظر إلى كل شيء بعين الشهود، وأ تعرف سر الحق فى كل موجود، تلافيا لما قد فات، واستعداد لما هو آت، وأتصدى لتحصيل ما عزمت إليه، وأتولى لتكميل ما توجهت إليه، برفاهة واطمئنان، وحضور قلب وفراغ جنان، فبينما أنا فى هذا الخيال، إذ بدا لى ما لم يخطر بالبال تحولت الاحوال والدهر فوقعت فى أمر أشق من الأول: أمرت بحل مشكلات الأنام، فيما شجر بينهم من النزاع والخصام، فلقيت معضلة طويلة الذيول، وصرت كالهارب من المطر إلى السول .. فاضحيت فى ضيق المجال وسعة الاشغال أشهر ممن يضرب بها الامثال، فجعلت أتمثل بقول من قال:
لقد كنت أشكو والحوادث برهة ... واستمرض الأيام وهي صحائح
إلى أن تغشتنى وقيت حوادث ... تحقق أن السالفات منائح
فلما انصرمت عرى الآمال عن الفوز بفراغ البال عزمت على انشاء ما كنت أنويه، توجهت إلى املاء ما ظلت أبتغيه ناويا أن اسميه عند تمامه بتوفيق الله وأنعامه:
(ارشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم) فشرعت فيه مع تفاقم المكاره على، وتزاحم المشادة بين يدي، متضرعا إلى رب العظمة والجبروت خلاق عالم الملك والملكوت، فى أن يعصمنى عن الزيغ والزلل، ويقيني مصارع السوء فى القول والعمل ويوفقني لتحصيل ما أروي وأرجوه ويهديني إلى تكميله على أحسن الوجوه ..