ولم تكن هذه المتاعب من المستعمر فحسب، وانما كانت أيضا من الذين يصطنعهم المستعمر والذين يوجدون فى كل قطر من ذوى النفوس الخسيسة، ولكن الله كان معهما، فقد هيأ سبحانه للشيخ الخضر مشيخة الاسلام فى مصر، وهيأ للشيخ الطاهر مشيخة الاسلام فى تونس وكان قد تولى قبلها القضاء ثم تولى الافتاء.
ولكن الشيخ الطاهر اضطرته الظروف للالتحام فى معركة من معارك الرأى الاسلامى فى تونس مع ذوى الرئاسة اذ ذاك:- لقد انتصر لدينه قوة، وانتصر فى أمر هو من أصول الدين ومن بدهياته وأعلن الشيخ رأى الدين فى صراحة، وفى وضوح، وفى قوة، لم يدار، ولم يداهن ولم يتملق.
فلما رأى الحاكمون أنه لم تجد معه الرهبة، ولم تفد معه الرغبة، أصبح أهل تونس يرون فى الصحف أنه أخرج من مشيخة الاسلام.
وكان هذا أقل ما يتوقع بالنسبة له ..
فالتزم بيته يدرس ويكتب، ويستمتع بالنفائس التى تضمها مكتبة الأسرة، وكان يفكر منذ زمن بعيد أن يكتب تفسيرا، وفى ذلك يقول:- كان أكبر امنيتى منذ أمد بعيد تفسير الكتاب المجيد، الجامع لصالح الدنيا والدين ..
ويقول:- ولكنى كنت على كلفى بذلك اتجهم التقحم على هذا المجال، واحجم عن الزج فى هذا النضال، اتقاء ما عسى أن يعرض له المرء نفسه من متاعب تنوء بالقوة وفلتات سهام الفهم وأن بلغ ساعد الذهن كمال الفتوة، فبقيت اسوف النفس مرة ومرة، اسومها زجرا، فان رأيت منها تصميما احلتها على فرصة أخرى، وأنا آمل ان يمنح
من التيسير ما يشجع على قصد هذا الغرض العسير ..