والجواب عن ذلك: ان ظاهره يقتضى انه لولا فضله لا قدمنا على المعصية، وليس فيه بيان ذلك الفضل، والمراد به الالطاف والتاييد وسائر ما يصرف المرء عن اتباع الشيطان والمعاصى، وبين تعالى أن ذلك الفضل لو لم يفعله لكان فيهم من لا يتبع الشيطان مبينا بذلك أن المعلوم من حال كثير منهم أنه يؤمن ويتصرف عن اتباع الشيطان وإن لم يلطف له، وهذا يصدق قولنا فى اللطف أنه قد يختص بمكلف دون مكلف.
وإن حملت الكلام على أنه لولا فضله على الكل لا تبعوا الشيطان إلا قليلا منهم فإنهم مع فضله عليهم يتبعونه، فإنه يدل على مثل ما قدمناه فى أن اللطف قد يختص، وقد يختص، وقد يفعل بمكلفين فيكون لطفا لاحدهما دون الآخر، كما أن رفق الوالد بأحد ولديه قد يكون لطفا له فى التعليم، ولا يكون لطفا فى الآخر.
وبعد: فإن هذا الكتاب فى غاية النفاسة إذا نظرنا إلى مذهب المعتزلة أما إذا نظرنا إلى مذهب أهل السنة، فإن فيه الكثير من التفانى، ولكن فيه أيضا، الكثير مما يمكن المناقشة فيه والجدل، وهو على كل حال كتاب للخاصة.