المظهر الثاني: الجملة القرآنية:
ويتلخص مظهر الإعجاز في الجملة القرآنية في الأمور الثلاثة التالية:
1 - الاتساق اللفظي والإيقاع الداخلي.
2 - دلالتها بأقصر عبارة على أوسع معنى.
3 - إخراجها المعنى المجرد في مظهر الأمر المحسوس.
فلنتناول كلّا من هذه الأمور الثلاثة ببيان موجز يتلاءم مع طبيعة هذا البحث.
أولا: الاتساق اللفظي والإيقاع الداخلي:
لا بدّ أن تجد الجملة القرآنية مؤلفة من كلمات وحروف ذات أصوات يستريح لتآلفها السمع والصوت والنطق، ويتكون من اجتماعها على الشكل الذي رتبت عليه، نسق جميل ينطوي على إيقاع خفي رائع، ما كان ليتم لو نقصت الجملة كلمة أو حرفا أو اختلف ترتيب ما بينها بشكل من الأشكال.
والقرآن كله مثال على هذه الحقيقة الجليّة. ولكن إذا كان لا بدّ من أمثلة ونماذج نعرضها فإليك هذه الأمثلة، واعلم أن الجمل القرآنية كلها جارية على منوالها:
اقرأ مثلا قول الله تعالى: وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ [1].
واقرأ قول الله تعالى: فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ، وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ، وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ، تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ [2] وتأمل تناسق الكلمات في كل جملة منها. ثم دقّق نظرك، وتأمل تآلف الحروف الرخوة مع الشديدة ومع المهموسة والمجهورة وغيرها. ثم أمعن في تآلف الحركات والسكنات والمدود وتعاطفها مع بعضها. فإنك إذا تأملت في ذلك علمت أن هذه الجمل القرآنية إنما صبّت من الكلمات والحروف [1] القمر: 36. [2] القمر: 11 و 12 و 13 و 14.