ومن هاتين النظرتين يتولد الخوف والرجاء ويتمازجان في حياة الإنسان؛ ويتولد منهما معنى يدفعه في سبيل معتدل يجمع فيها بين الوفاء بحق نفسه وحق الله عزّ وجلّ.
الثاني: أنك لا تجد آية في كتاب الله فيها الحديث عن الجنة ونعيمها وعن الصالحين وما أعدّ الله لهم من المثوبة، إلا وتجد من بعدها آية فيها الحديث عن النار وهولها وعن الكافرين وما أعدّ الله لهم من العقوبة. ولا تكاد تجد في القرآن آية أو آيات قد انفردت يوصف الشدّة أو الرخاء دون أن يكون إلى جانبها آية أو آيات فيها وصف
الطرف الآخر. والحكمة من ذلك أن لا يرهب الإنسان رهبة تقذف به إلى اليأس، ولا يرغب رغبة تغريه بالعقود والكسل.
ولنضرب بعض الأمثلة على هذا:
1 - يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ، وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ، هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ [1].
2 - إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ، هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ، لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ، سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ. وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ، أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ... [2].
3 - نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ [3].
4 - قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ [4]. [1] ق: 30 و 31. [2] يس: 55 و 56 و 57 و 58 و 59 و 60. [3] الحجر: 49 و 50. [4] الزمر: 53 و 54.