ولما كانت هذه القاعدة تحمل في طيّها الوعيد والإنذار إلى جانب ما تحمله من الوعد والتبشير، أعقب ذلك بما يؤكد هذه الحقيقة من بيان مدى قدرة الله تعالى التي لا تغلب ولا تقهر، فقال: وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ. أي إنهم إذا غيّروا ما بأنفسهم من الخير واستبدلوا به الانحراف والشر، فأراد الله عزّ وجلّ بهم سوءا من أجل ذلك، فلا رادّ لقضائه وحكمه وليس لهم غيره من مفرّ وملاذ. فليفرّوا إلى الله في عبودية وضراعة وليصلحوا ما أفسدوه من نفوسهم إن أرادوا أن يكشف عنهم السوء والبلاء.
ومع إثبات هذه الحقيقة، تتهيأ المناسبة للانتقال من الحديث عن الصفة الأولى من صفتي الألوهية التي تعرضهما هذه الآيات، وهي صفة اطّلاعه على كل خافية وغيب إلى الحديث عن الصفة الثانية وهي عظيم قدرة الله تعالى وباهر سلطانه فتأتي الآيات التالية مشتملة على أمور فيها دلائل على قدرة الله تعالى وعظيم تدبيره، أمور فيها مظاهر من النعم والإحسان إلى جانب ما فيها من مظاهر القهر والتخويف. وهي واقعة موقع التأكيد لما تضمنه قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ من الوعد والإيعاد، والتخويف والإطماع.
* وأول أمر من هذه الأمور الدّالة على قدرة الله تعالى، آيتان كونيتان لا تزالان تنبّهان إلى قدرة الله تعالى وباهر حكته، هما الرعد والبرق: هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً، وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ.
لم يعبّر بالاسم الظاهر، كي لا ينفصل الكلام عن سابقه، ولكي يستجمع الضمير: «هو» في الذهن جميع الصفات التي سبق ذكرها في الآيات الماضية، فيضيف إليها مظاهر أخرى من باهر القدرة وجليل التدبير. وقال:
يريكم البرق؛ هكذا: يريكم .. لتصور لك الجملة بل الكلمة لمعة البرق الخاطف أمام عينيك، حتى إذا قامت الصورة في خيالك، أضافت الآية، منبّهة، أن ذلك إنما يكون تخويفا مما قد يعقبه من الصواعق المحرقة أو الأمطار المتلفة، وتطميعا لما قد يبشّر به من الغيث المفيد. فخوفا وطمعا منصوبان على أن كلّا منهما مفعول لأجله، إما على تقدير: إرادة الخوف والطمع، أو على تقدير: تخويفا وتطميعا،