(طوي عهده: لمن الملك اليوم؟) ليرتسم من ورائه الجواب الذي يملأ سمع الزمان والمكان وينطبع في كل أذن وفكر: (لله الواحد القهّار).
* الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ، لا ظُلْمَ الْيَوْمَ، إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ: ثلاث صفات أخرى ليوم القيامة توضح أهم خصائص ذلك اليوم، وهو الحساب الذي تلاقيه كل نفس على ما قدّمت.
اليوم تجزى كل نفس بما كسبت تعطى جزاء كل ما قد فعلته من خير وشر، وفي تقديم الْيَوْمَ وتصدير الجملة بها إيحاء بأن الناس طالما أمهلوا من قبل حتى ظن كثير منهم أنه لا جزاء ولا حساب! ..
(لا ظلم اليوم): سيبلغ اليوم كلّ حقّ مداه، وسينصف كل مظلوم ويقتصّ من كل ظالم، ولكن هل كان في دار الدنيا ظلم حتى يكون نفيه خاصا بهذا اليوم؟ إن الجملة صيغت بهذا الشكل ردّاء وتبكيتا لأولئك الذين طالما تساءلوا في دار الدنيا عن أسباب تفاوت الناس في مظاهر السعادة ووجود مظاهر البؤس والفقر إلى جانب مظاهر النعمة والترف ونسبوا إلى الله من أجل ذلك الظلم والجور، قصدا إلى الإلحاد في ذاته وادّعاء عدم وجوده؛ فالجملة تقول لهؤلاء الناس- على سبيل التبكيت والتأنيب-: تستطيعون أن تطمئنوا اليوم إلى أن مثقال ذرّة من العدالة لن يهدر وإلى أن أحدا من الناس لن يظلم؛ إن حياتكم التي مرّت لم تكن إلا فصلا صغيرا من قصة الوجود الإنساني كله، والحكم على القصة ما كان ينبغي أن يكون من خلال ما يتراءى من فصل واحد صغير فيها، وسترون من مجرى الحساب والجزاء، اليوم، أن عين العدالة لم تغفل عن الإنسان لحظة واحدة في دنياه التي خلت.
فلما كانت هذه الحقيقة إنما تتجلى وتتكشف للناس يوم القيامة، أسند نفي الظلم إلى ذلك اليوم تصويرا لهذه الحقيقة كلها.
(إن الله سريع الحساب): لن يعجزه شيء عن محاسبة هذه الخلائق المتجمعة كلها في آن واحد، فهو تعالى لا يشغله شأن عن شأن. ولئن كان وقت الحساب يطول أمده على الناس، فإنما هو لعظم الهول الذي يحبط به، وليس لعجز الله عن الإسراع في محاسبتهم! ...