(علوم القرآن) اصطلاح خاص:
ثم إن هذه الكلمة أصبحت تطلق على طائفة معينة من الأبحاث الهامة المتعلقة بالقرآن تعلقا مباشرا وقريبا. كتفسيره، وناسخه ومنسوخه، ومكيه ومدنيه ومحكمه ومتشابهه، وقراءاته. وذلك، لأن كلّا من هذه الأبحاث، قد دار حوله كلام كثير، واستلزم فهمه معرفة دقيقة لضبطه وتحديده، وألّفت فيه الكتب المستقلة، فتحولت المعرفة بذلك إلى علم، كما يقول ابن خلدون [1].
فالتفسير إذا فن مستقل برأسه، يقوم على أسس ومقوّمات وشروط، والناسخ والمنسوخ في القرآن أيضا فن خاص يقوم على دراسة معينة وأهمية خاصة، والمحكم والمتشابه كذلك ... وهلمّ جرا.
ثم لما كثرت تآليف العلماء في هذه القرون، وأطلقوا على جملتها اسم (علوم القرآن) وتكرر هذا الاسم وتداوله الباحثون والكاتبون، أصبح هذا الإطلاق علما على هذه الطائفة من علوم القرآن وأبحاثه. وأصبحت هذه الطائفة من الأبحاث علما مستقلا برأسه.
متى ظهر هذا الاصطلاح:
ثم إنك تعلم أن عصر الصحابة كان عصر تلقّ للقرآن والسنّة، وكان الصحابة رضوان الله عليهم يدركون معاني الألفاظ وما وراءها بفطرتهم العربية الأصيلة، فإذا أشكل عليهم شيء من وراء ذلك أيضا سألوا عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثم كانت رقعة حياتهم ضيقة لا تزخر أو تتزاحم فيها التقاليد والأفكار والمشكلات الطارئة فكانت معارفهم في أذهانهم، وكان مرجعهم فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم كبار الصحابة من بعده، فلم يكن عندهم شيء مما أطلق عليه فيما بعد اسم «علوم القرآن».
ثم لما كان عصر التابعين، أقبل التابعون على مشاهير الصحابة يعلمون منهم كتاب الله تعالى وتفسيره، وربما أخذ البعض يدوّن من ذلك الكثير مما [1] مقدمة ابن خلدون: 214 طبعة بولاق.