. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وقال أبو عبيد الهروي (ت 401 هـ) في تفسير الحديث: "الفزع: الخوف في الأصل، فوضع موضع الإغاثة والنصر، لأن من شأنه الإغاثة والدفع عن الحريم مراقب حذِر" (النهاية 3: 443).
وقال الراغب (ت 412 هـ) في المفردات (ص 635): "الفزع: انقباض ونفار يعتري الإنسان من الشيء المخيف، وهو من جنس الجزع، ولا يقال: فزعت من الله، كما يقال: خفت منه ... ويقال: فزع إليه إذا استغاث به عند الفزع. وفزع له: أغاثه. وقول الشاعر (كنا إذا ما أتانا صارخ فزع) أي صارخ أصابه فزع، ومن فسّره بأن معناه المستغيث فإن ذلك تفسير للمقصود من الكلام، لا للفظ الفزع".
وأرى الهروي والراغب قد قاربا الصواب، فالفزع أصل واحد (لا أصلان كما قال ابن فارس) وهو الذعر أو قريب منه، فإذا فزع أحد، لما حزبه أمر أو أخافه عدو ولجأ إلى رجال قبيلته، فزعوا لنجدته، فيذهب سكونهم ووقارهم الذي كانوا عليه، ويهبّون مضطربين حذرين، فيكونون هم أيضاً في حالة من الفزع. فقولهم: "فزع له" ليس بمعنى أغاثه تماماً، بل قام فزعاً لإغاثته، والفزع باقٍ على معناه. وكذلك "فزع إليه" تضمّن معنى لجأ، وقد دلّ عليه حرف الجرّ (إلى)، والفزع على معناه. أما أفزعه فالهمزة فيه للتعدية، وقد جاءت أيضاً لسلب المأخذ، ويتبين ذلك من السياق. ويكون المعنى: أزال فزعه، وهو الذي توهموه بمعنى الإغاثة. وكذلك فزّع عنه أي كشف عنه الفزع، هذا هو الأصل، وقد يأتي "فزع" بمعنى الإغاثة على التجريد أو الاستعارة كما في قول الشماخ.
أما قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للأنصار: "إنكم لتكثرون عند الفزع وتقلّون عند الطمع" فالفزع فيه بمعناه، أي إذا أصاب المسلمين فزع كإحاطة العدوِّ بهم مثلاً، فلا يتخفى الأنصار خوفاً من العدوّ، بل يظهرون من بيوتهم ويكثرون، ويقاتلون، فأما إذا ذهب الفزع وانهزم العدوّ، وقسّمت الغنائم فينكشفون ويقلّون ولا يزدحمون طمعاً فيها. فقابل النبي - صلى الله عليه وسلم - كثرتهم في مواقع الفزع بقلتهم في مواقع الطمع. وفي هذا المعنى قول عنترة من معلقته:
يخبركِ من شهد الوقيعة أنني ... أغشى الوغى وأعفّ عند المغنمِ
ويبيّن معنى الفزع هذا قول الراعي:
إذا ما فزِعنا أو دُعِينا لنجدةٍ ... لبسنا عليهنّ الحديد المسرّدا
أي إذا أصابنا فزع كهجوم العدوّ مثلاً، وقد غلط من فسّر (فزعنا) هنا بمعنى أغَثْنا (اللسان - فزع) فلو أراد (أغثْنا) لم يكن لما عطفه عليه (دُعينا لنجدة) معنًى.
ويشبه الفزع في تطوره هذا (صرخ) فقيل: إنه من الأضداد، إغاثة واستغاثة والحق أن=