أي ليس كل شعر غواية، بل منه ما يتضمن على الحق [1] والحث على الخير.
هذا. ثم استعملها الله تعالى في أكمل أفرادها، فسمى الوحي "حكمةً" كما سماه "نوراً"، و "برهاناً"، و "ذِكراً" و "رحمةً". ومن هذه الجهة سَمَّى القرآنَ "حكيماً" أي ذا حكمة، كما سمَّى نفسه حكيماً وعليماً. فهذه وجوه.
فإذا سمّى القرآن "كتاباً" و "حكمة" معاً، فذلك من جهتين: سمى "كتاباً" من [جهة] [2] كونه مشتملاً على الأحكام المكتوبة، و "حكمة" من جهة اشتماله على حكمة الشرائع من العقائد الصحيحة والأخلاق الفاضلة. واستدللنا على هذا الفرق من تتبع استعمال الكلمتين معاً، ومما علمنا من استعمال "الكتاب" للأحكام و "الحكمة" لأصولها.
وتسامح بعض أهل العلم في هذا المقام، وتبعه الإمام الشافعي رحمه الله، وتبعه أكثر المحدثين، فظنوا أن "الحكمة" أريد بها الحديث [3]، فإنّ [1] انظر ما قلنا في ص: 98 الحاشية 3. [2] زيادة يقتضيها السياق. [3] روي تفسير "الحكمة" بالسنة عن قتادة. انظر الطبري 3: 87 والتصاريف: 201. وفسرها الإمام مالك فيما رواه الطبري عن ابن وهب عنه بالمعرفة بالدين والفقه في الدين والاتباع له. وقال الإمام الشافعي رحمه الله في رسالته (76 - 79) بعد نقل الآيات التي قرن الكتاب فيها بالحكمة:
"فذكر الله الكتاب -وهو القرآن- وذكر الحكمة، فسمعتُ مَن أرضى مِن أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة: سنة رسول الله. وهذا يشبه ما قال، والله أعلم. لأن القرآن ذُكِرَ وأُتبِعتْه الحكمة، وذكر الله مَنَّه على خلقه بتعليمهم الكتاب والحكمة، فلم يجُز -والله أعلَم- أن يقال الحكمة هاهنا إلا سنة رسول الله. وذلك أنها مقرونة مع كتاب الله، وأن الله افترض طاعة رسوله وحتّم على الناس اتباع أمره. فلا يجوز أن يقال لقول: فرض إلا لكتاب الله ثم سنة رسوله، لِما وصفنا من أن الله جعل الإيمان برسوله مقروناً بالإيمان به. وسنة رسول الله مبينة عن الله معنى ما أراد: دليلاً على خاصّه وعامّه، ثم قرن الحكمة بها بكتاب فأتبعها إياه، ولم يجعل هذا لأحد من خلقه غير رسوله". =