{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ} أي: بترتيب خاص، وإفاضة الخلق حسب استعداد. {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [1].
أي: بيده التدبير التامّ لثبوت تمام القدرة بالخلق، وتمام التدبير لرعاية الآجال والاستعداد. فلا قدرة لأحد إلا بإذنه. فلا عبودية لغيره، لكون الجميع تحت قدرته وتدبيره. فمن تذكر أول الأمور وجعلها أساس النظر أبطل الشركاءَ.
(33) العشي
هو قبل غروب الشمس من حين يضعف نور الشمس ويصفرّ في بلاد جوها غير صافٍ. وهو وقت صلاة العصر [2]. وكانوا يصلون فيه من القديم، [1] سورة يونس، الآية: 3. [2] وقال رحمه الله في تعليقاته: 317 (الروم: 18): "نعلم من كلام العرب أن العشي هو آخر النهار، والمساء أول الليل". وبه قال صاحب العين (2: 188) وابن دريد في الجمهرة (3: 63) وابن سيده في المحكم (2: 206) وأبو حيان في البحر (2: 434). ويدل عليه قوله تعالى في سورة الروم: 17 - 18 {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ}. ولا خلاف بينهم أن صلاة العشي هنا صلاة العصر. ويؤيد ذلك تفسيرهم "العصر" بالعشي (الأزمنة: 58 والزاهر 2: 179) وكذلك تفسير "الأصيل" به. قال ابن سيده: " .. الأصيل والعشي سواء لا فائدة في آحدهما إلا ما في الآخر .. والأصيل: الوقت بعد العصر إلى المغرب" (اللسان). وقيل: العشي من حين تزول الشمس إلى أن تغيب. وهو قول الأزهري (3: 58) وبه قال الطبري (6: 391) والزمخشري (1: 361) في تفسير سورة آل عمران. واحتج الطبري بقول حميد بن ثور:
فلا الظلَّ مِن بَردِ الضحى تستطيعه ... ولا الفيءَ من برد العشيِّ تذوقُ
قال: "فالفيء إنما تبتدئ أوبته عند زوال الشمس ويتناهى بمغيبها". ولا يصح هذا الاحتجاج كما لا يصح بقول أبي ذؤيب الهذلي: =