وقد شهد القرنان الثاني والثالث إقبالاً عظيماً على التأليف في غريب القرآن، وعلماء اللغة هم الذين كانوا فرسان هذا الميدان، فقلما نجد منهم من لم يذكر له كتاب في هذا الفن، حتى الأصمعي الذي روي أنه كان يتحرج من تفسير ألفاظ القرآن نسب إليه كتاب في غريب القرآن [1].
وتسمى كتبهم في المصادر بأسماء مختلفة من (غريب القرآن)، و (معاني القرآن)، و (مجاز القرآن)، و (ما يستعجم الناس فيه من القرآن) و (غرائب القرآن). وهي عناوين كانت متقاربة في مدلولها في ذلك العصر، فكان الكتاب الواحد يطلق عليه أحياناً (مجاز القرآن) و (معاني القرآن)، و (غريب القرآن) و (إعراب القرآن)، ومثال ذلك كتاب أبي عبيدة معمر بن المثنى [2]. وسبب ذلك أن الكتب الأولى التي ألّفت في هذا المجال لم تكن مقصورة على تفسير ألفاظ القرآن فحسب، بل كانت تضم بالإضافة إلى ذلك -مباحث النحو والصرف والقراءات، وتفسير ما أشكل من معاني الآيات، ومذاهب العرب في القول؛ على اختلافها في التوسع في إيراد تلك المباحث بحسب اهتمام مؤلفيها وثقافتهم. ويتضح ذلك جلياً من دراسة الكتب الثلاثة التي وصلت إلينا من كتب الأوائل، وهي: مجاز القرآن لأبي عبيدة (ت 210 هـ)، ومعاني القرآن للفراء (ت 207 هـ)، ومعاني القرآن للأخفش الأوسط (ت 215 هـ).
ثم تتابعت الكتب في تفسير غريب القرآن في القرون التالية، وبلغت كثرة لا يأتي عليها الحصر، فقال السيوطي في الإتقان: "أفرده بالتصنيف خلائق لا يحصون" [3].
ومن أشهرها: كتاب تفسير غريب القرآن لابن قتيبة (ت 276 هـ). وقد [1] هدية العارفين: 623. وفي الفهرست للنديم (ص 38):"كتاب لغات القرآن للأصمعي". [2] انظر مقدمة المحقق. [3] الإتقان في علوم القرآن 2: 30.