ثامناً: النهي عن التفرق:
حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من الافتراق، وبين أن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، ثم بين حال هؤلاء المتفرقين وأنه كحال من يتجارى به الكَلَب، فعن معاوية بن أبى سفيان -رضي الله عنه- قال: ألا إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قام فينا فقال: «ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين، ثنتان وسبعون فى النار وواحدة فى الجنة، وهي الجماعة». زاد ابن يحيى وعمرو فى حديثيهما «وإنه سيخرج من أمتى أقوام تجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب لصاحبه».
وقال عمرو: «الكلب بصاحبه لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله» [1].
فبين -صلى الله عليه وسلم- أن هذه الأهواء تتجارى بهم، كما يتجارى الكلب لصاحبه؛"فإن الكلب داء يعرض للإنسان من عضة الكلب الكلِب، وهو داء يصيب الكلب كالجنون. وعلامة ذلك فيه أن تحمر عيناه، وأن لا يزال يدخل ذنبه بين رجليه، وإذا رأى إنساناً ساوره [2]، فإذا عقر هذا الكلب إنساناً عرض له من ذلك أعراض رديئه، منها أن يمتنع من شرب الماء حتى يهلك عطشاً، ولا يزال يستسقي حتى إذا سقي الماء لم يشربه" [3]، وكذلك البدع تدخل فيهم وتؤثر في أعضائهم [4].
"فشبه حال الزاغين من أهل البدع في استيلاء تلك الأهواء عليهم، وفي سراية تلك الضلالة منهم إلى الغير بدعوتهم إليها، ثم تنفرهم من العلم وامتناعهم من قبوله حتى يهلكوا جهلاً، بحال صاحب الكَلَب وسريان تلك العلة في عروقه ومفاصله شبه الجنون، ثم تعديته إلى الغير فلا يعض المجنون أحداً إلا كُلِب -أي جن-، ويعرض له أعراض رديئة تشبه الماليخوليا [1] سنن أبي داود، كتاب السنة، باب شرح السنة: 503، برقم (4597)، ومسند الإمام أحمد: 28/ 135 برقم (16937)، وقال محققه: إسناده حسن. وحسنه الألباني. انظر: صحيح سنن أبي داود: 3/ 869. [2] أي وثب عليه. انظر: تهذيب اللغة: 13/ 35. [3] معالم السنن للخطابي، تحقيق: محمد حامد الفقي، دار المعرفة، بيروت: 7/ 4. [4] انظر: مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: 1/ 382.