النَّوْعُ السَّابِعُ والعِشْرُونَ
مَعْرِفَةُ آدَابِ الْمُحَدِّثِ
وقَدْ مَضَى طَرَفٌ مِنها اقْتَضَتْهُ الأنْواعُ التي قَبْلَهُ.
عِلْمُ الحديثِ عِلْمٌ شَريفٌ، يُناسِبُ مَكارِمَ الأخْلاَقِ ومَحَاسِنَ الشِّيَمِ [1]، ويُنافِرُ مَسَاوِئَ [2] الأخلاقِ ومَشَايِنَ الشِّيَمِ، وهوَ مِنْ عُلُومِ الآخِرَةِ لا مِنْ عُلُومِ الدنيا [3]. فَمَنْ أرادَ التَّصَدِّي لإسْماعِ الحديثِ أو لإفادَةِ شيءٍ مِنْ عُلُومِهِ، فَلْيُقَدِّمْ تَصْحِيْحَ النِّيَّةِ وإخْلاَصَها وليُطَهِّرْ قَلْبَهُ مِنَ الأغراضِ الدُّنْيَوِيَّةِ وأدناسِها، وليَحْذَرْ بَلِيَّةَ حُبِّ الرِّيَاسَةِ ورُعُوناتِها.
وَقَدِ اخْتُلِفَ في السِّنِّ الذي إذا بلغَهُ اسْتُحِبَّ لهُ التَّصَدِّي لإسْماعِ الحديثِ والانْتِصَابِ لرِوايتِهِ.
والذي نَقُولُهُ إنَّهُ متى احْتِيجَ إلى ما عِنْدَهُ [4]، اسْتُحِبَّ لهُ التَّصَدِّي لرِوايتِهِ ونَشْرِهِ في أيِّ سِنٍّ كانَ. ورُوِّيْنا عَنِ القاضِي الفاضِلِ أبي مُحَمَّدِ بنِ خَلاَّدٍ -رَحِمَهُ اللهُ- أنَّهُ قالَ [5]: ((الذي يَصِحُّ عِنْدِي مِنْ طريقِ الأثَرِ والنَّظَرِ في الحدِّ الذي إذا بلَغَهُ الناقِلُ حَسُنَ بهِ أنْ يُحَدِّثَ، هُوَ أنْ يَسْتَوفِيَ الخمسينَ؛ لأنَّها انْتِهاءُ الكُهُولَةِ وفيها مُجْتَمَعُ الأشُدِّ. [1] قال الزركشي 3/ 636: ((هذه مقالة معنوية، إلا فالذي يقابل الشين الزين لا المحاسن، قال في الصحاح: الشين خلاف الزين، يقال: شانه يشينه، والمشاين: المعايب والمقابح ... انتهى. وقد كرّر الشيم ثلاث مرات، مرتين باللفظ، ومرة بالمعنى، وهو الأخلاق، لكن قيل: الشيم: الطبائع)).
وانظر: الصحاح 5/ 1964، 2147. [2] في (أ) و (ب): ((مساوي)) بلا همز، قال الزركشي في نكته 3/ 637: ((قال صاحب تثقيف اللسان: ويقولون: ظهرت مساويه، والصواب: مساوئه بالهمز. وقد استدرك أبو إسحاق الأجدابي عليه، قال: الأصل الهمز كما ذكرته، وترك الهمز جائز عَلَى لغة من يقول في الخاطئين: الخاطين، وهي لغة معروفة)). [3] قال الزركشي في نكته 3/ 637: ((مراد أنَّهُ عبادة لذاته لا صناعة)). [4] في (جـ): ((إلى طلب ما عنده ... )). [5] المحدّث الفاصل: 352، ونقله عنه القاضي في الإلماع: 200، والخطيب في الجامع 1/ 323 (716).
نام کتاب : مقدمة ابن الصلاح = معرفة أنواع علوم الحديث - ت فحل نویسنده : ابن الصلاح جلد : 1 صفحه : 344