ولما كان النهي للمصلحة لا للتحريم , أخبر به معاذ لعموم الآية بالتبليغ.
قال بعضهم: «النهي في قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " لاَ تُبَشِّرْهُمْ " مخصوص ببعض الناس , وبه احتج البخاري على أن للعالم أن يخص العلم قومًا دون قوم " كراهة أن لا يفهموا , وقد يتخذ أمثال هذه الأحاديث البطلة [3] المباحية [4] ذريعة إلى ترك التكاليف ورفع الأحكام , وذلك يفضي إلى خراب الدنيا بعد خراب العقبى. وأين هؤلاء ممن إذا بشروا زادوا جِدًّا في العبادة؟ وَقَدْ قِيلَ لِلْنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:أَتَقُومُ اللَّيْلَ وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ، فَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا "» [5].
ولهذا أستغرب كل الاستغراب من موقف أولئك الدعاة الذين لا يفتأون يذكرون للناس حديث الذباب وغمسه في الطعام!.
أو حديث لطم موسى لملك الموت! [1] في " مسند أحمد (*) " أن أبا هريرة قال:" حفظت ثلاثة أجربة بثثت منه جرابين " وفي صحيح البخاري من حديث أبو هريرة أنه قال: «حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وِعَاءَيْنِ: فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَبَثَثْتُهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَلَوْ بَثَثْتُهُ قُطِعَ هَذَا البُلْعُومُ». [2] العرنيون نفر قدموا على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأسلموا , فاجتووا المدينة , فأمرهم أن يأتوا إبل الصدقة , فيشربوا من ألبانها وأبوالها ففعلوا , فصحوا , فارتدوا وقتلوا رعاتها, واستاقوا الإبل , فبعث في آثارهم فأتى بهم فقطع أيديهم وأرجلهم , وسمل أعينهم , ثم لم يحسمهم حتى ماتوا. والحديث في " الصحيحين " وغيرهما (راجع " فتح الباري ": ج12, ص98). [3] يقال أبطل: إذا جاء بالباطل: والبطلة: السحرة والشياطين , وفي " مسند أحمد " من حديث أبي أمامة: «اقْرَءُوا البَقَرَةَ؛ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلاَ يَسْتَطِيعُهَا البَطَلَةُ» وأخرجه مسلم في الصلاة. [4] كذا في الأصل ولعلها الإباحية. وهو المراد يقينًا. [5] أخرجه الشيخان والترمذي والنسائي من حديث المغيرة بن شعبة.
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ / تَوْفِيقْ بْنُ مُحَمَّدٍ القُرَيْشِي]:
(*) لم أجده في " مسند الإمام أحمد "، وإنما قال الحافظ ابن حجر العسقلاني - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - في " فتح الباري ": 1/ 191: «وَوَقَعَ فِي المُسْنَد عَنْهُ - أي عن أبي هريرة -: " حَفِظْت ثَلاَثَة أَجْرِبَة، بَثَثْت مِنْهَا جِرَابَيْنِ " ... ».
نام کتاب : كيف نتعامل مع السنة النبوية - ط الشروق نویسنده : القرضاوي، يوسف جلد : 1 صفحه : 104