ومضى الأمر على هذا طوال عهد الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم عهد أبي بكر الصديق وعهد عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - فكانت الإبل الضالة تترك على ما هي عليه لا يأخذها أحد , حتى يجدها صاحبها , اتباعًا لأمر الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - , وما دامت تستطيع الدفاع عن نفسها , وتستطيع أن ترد الماء تستقي وتختزن منه في أكراشها ما تشاء , ومعها أحذيتها أي أخفافها , التي تقوى بها على السير وقطع المفاوز.
ثم جاء عثمان بن عفان - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فكان ما يرويه مالك في " الموطأ " إِذْ يَذْكُرُ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ يَقُولُ: «كَانَتْ ضَوَالُّ الإِبِلِ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ إِبِلاً مُؤَبَّلَةً تَنَاتَجُ. لاَ يَمَسُّهَا أَحَدٌ. حَتَّى إِذَا كَانَ زَمَانُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، أَمَرَ بِتَعْرِيفِهَا ثُمَّ تُبَاعُ، فَإِذَا جَاءَ صَاحِبُهَا أُعْطِيَ ثَمَنَهَا» [3].
وتغير الحال قليلاً بعد عثمان - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فإن علي بن أبي طالب - كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ - وافقه في جواز التقاط الإبل حِفْظًا لَهَا لِصَاحِبِهَا , لكنه رأى أنه قد يكون في بيعها وإعطاء ثمنها إن جاء ضرر به لأن الثمن لا يغني غناءها بذواتها , ومن ثم رأى التقاطها والإنفاق عليها من بيت المال حتى إذا جاء ربها أعطيت له [4].
فما فعله عثمان وعلي - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - لم يكن مخالفة منهما للنص النبوي بل نَظَرًا إلى مقصوده , فحيث تغيرت أخلاق الناس , ودب إليهم فساد الذمم،
(1) " المغني " لابن قدامة: ج 2 ص 598، مطبعة نشر الثقافة الإسلامية بمصر.
(2) " نيل الأوطار " للشوكاني: جزء 5 ص 338، وهو حديث متفق عليه.
(3) " الموطأ ": جزء 3 ص 129. وإبل مؤبلة أي كثيرة تتخذ للقنية.
(4) " تاريخ الفقه الإسلامي " للمرحوم الدكتور محمد يوسف موسى - فقه الصحابة والتابعين: ص 83 - 85.
نام کتاب : كيف نتعامل مع السنة النبوية - ط الشروق نویسنده : القرضاوي، يوسف جلد : 1 صفحه : 151