وقد حسنه الألباني في تخريج كتابنا " الحلال والحرام " وفي " صحيح الجامع الصغير ".
وإذا سلمنا بهذا التحسين ـ مع عدم اشتهار الحديث في عصر الصحابة وتلاميذهم ـ فالذي يظهر أن الحديث ليس نَصًّا في تحريم المصافحة , لأن المس في لغة القرآن والسنة لا يعني مجرد اتصال البشرة بالبشرة , وإنما معنى المس هنا ما دل عليه قول ترجمان القرآن ابن عباس - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -: أن المس واللمس والملامسة في القرآن كناية عن الجماع , فإن الله حَيِيٌّ كريم يكني عما شاء بما شاء.
وهذا هو الذي لا يفهم غيره من مثل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49].
فجميع المفسرين والفقهاء ـ حتى الظاهرية ـ فسروا المس هنا بالدخول , وقد يلحقون بها الخلوة الصحيحة لأنها مظنة له , ومثلها آيات في سورة البقرة في الطلاق قبل (المَسِّ) أي قبل الدخول.
وقول القرآن العزيز على لسان مريم - عَلَيْهَا السَّلاَمُ - يؤكد هذا المعنى: {قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ} [آل عمران: 47].
والأدلة على ذلك من القرآن والسنة كثيرة.
فليس في هذا إذن ما يدل على تحريم مجرد المصافحة , التي لا تصاحبها شهوة ولا تخاف من ورائها فتنة , وخصوصًا عندما تدعو إليها الحاجة , كقدوم من سفر , أو شفاء من مرض , أو خروج من محنة , ونحو ذلك مما يعرض للناس , ويقبل فيه الأقارب يهنئ بعضهم بعضًا، فيحتاج الرجل أن يصافح امرأة عمه أو امرأة خاله، أو بنت عمه أو بنت خاله، أو إحدى قريباته، ولا سيما إذا بادرته فمدت يدها إليه، ولا يخطر بباله ولا بالها أي إحساس بالشهوة.
ومما يؤكد ذلك ما رواه الإمام أحمد في " مسنده " عن أنس - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - , قال: «إِنْ كَانَتِ الوَلِيدَةُ (أي الأمة) مِنْ وَلاَئِدِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، لَتَجِيءُ فَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلاَ يَنْزِعُ يَدَهُ مِنْ يَدِهَا حَتَّى تَذْهَبَ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ». [1] رواه الهيثمي في " المجمع "، وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح عن معقل بن يسار: (4/ 326).
نام کتاب : كيف نتعامل مع السنة النبوية - ط الشروق نویسنده : القرضاوي، يوسف جلد : 1 صفحه : 183