نام کتاب : كيف نتعامل مع السنة النبوية - ط الشروق نویسنده : القرضاوي، يوسف جلد : 1 صفحه : 30
وشهواتهم، ولهم ضروراتهم وحاجاتهم، كما أن لهم أشواقهم الروحية العليا، وتطلعاتهم إلى الملأ الأعلى، فهم خلقوا من طين وحمأ مسنون، كما أن فيهم نفحة من روح الله.
فلا غرو أن يصعد الإنسان ويهبط، وأن ينهض ويعثر، وأن يهتدي ويضل، ويستقيم وينحرف، ويعصي الله ويتوب.
وحين ظن بعض الصحابة أنه نافق، لأن حالته في بيته تغيرت عن حالته في حضرة الرسول، وخرج يركض حتى انتهى إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يقول: «نَافَقَ حَنْظَلَةُ، نَافَقَ حَنْظَلَةُ». وشرح للرسول هذا النفاق بأنه حين يكون معه يرق قلبه، وتدمع عينه، ويذكر ربه، ويستحضر الآخرة، كأنها رُأْيَ عينه، فإذا عاد إلى بيته داعب الأولاد، ولاعب الزوج، ونسي ما كان فيه. فقال الرسول الكريم: «يَا حَنْظَلَةُ، لَوْ أَنَّكُمْ تَدُومُونَ [عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي، وَفِي الذِّكْرِ]، لَصَافَحَتْكُمُ المَلاَئِكَةُ عَلَى [فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ]، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً» [1].
وهكذا اعترف أن الإنسان يشف ويصفو، ثم يغفل ويغفو، ولا حرج في ذلك إذا قسم وقته وحياته ما بين حظ نفسه، وحق ربه، أو بين دنياه وآخرته، كما تقول في المثل: ساعة لقلبك، وساعة لربك!.
ومن أجل هذا راعت السُنَّةُ ضعف الإنسان، ووسعت في دائرة المباحات، وضيقت دائرة المحرمات، وجاء الحديث: «مَا أَحَلَّ اللهُ فِي كِتَابِهِ، فَهُوَ حَلاَلٌ، وَمَا حَرَّمَ، فَهُوَ حَرَامٌ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ، فَهُوَ عَفْوٌ، فَاقْبَلُوا مِنَ اللهِ عَافِيَتَهُ، فَإِنَّ اللهَ لَمْ يَكُنْ لِيَنْسَى شَيْئًا " , ثُمَّ تَلاَ هَذِهِ الآيَةَ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64]» [2].
وراعت السُنَّةُ ضعف الإنسان، فأباحت له الضرورات عند وقوع المحظورات، بل راعت حاجات الإنسان فأباحت له بعض المحرمات عند الحاجة، كما رخص الرسول لاثنين من الصحابة بلبس الحرير عندما اشتكيا من مرض الحكة. [1] رواه مسلم وغيره. [2] رواه الحاكم وصححه: (2/ 375) ووافقه الذهبي، وقال الهيثمي في " المجمع ": (1/ 171) رواه البزار والطبراني في " الكبير " وإسناده حسن، ورجاله موثقون.
نام کتاب : كيف نتعامل مع السنة النبوية - ط الشروق نویسنده : القرضاوي، يوسف جلد : 1 صفحه : 30