إنه يسير في ضوء منهج القرآن الذي أعلن أن الله يريد بعباده اليسر، ولا يريد بهم العسر وأنه ما جعل عليهم في الدين من حرج، وقال في ختام آية الطهارة: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} [المائدة: 6]. وقال بعد آيات محرمات النكاح: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 28].
كما حذر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من التنطع والغلو في الدين. ولهذا لم يشرع الرهبانية والتبتل وتحريم الطيبات، ودعا إلى الاستمتاع بالحياة في اعتدال، وقال: «إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمَالَ» [2]، «إِنَّ اللَّهَ يُحِبَّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ» [3].
وشرع الرخص والتخفيفات في الطهارة والصلاة والصيام والحج، فشرع التيمم بدل الوضوء، وشرع القصر والجمع في السفر، وشرع الصلاة قاعدًا ومضطجعًا وبالإيماء عند المرض، على قد الاستطاعة، وشرح الفطر في صيام رمضان للمريض والمسافر، والحبلى والمرضع، وقال في شأن رجل رأى الناس يظللونه، ويرشون عليه الماء في السفر: «لَيْسَ مِنَ البِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» [4] أي في مثل هذا النوع الشاق المرهق من السفر.
بل أجاز الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، في المدينة، بلا سفر ولا مطر، ولما سُئِلَ ابن عباس راوي الحديث: ماذا أراد بذلك؟ قَالَ: «أَرَادَ أَنْ لاَ يُحْرِجَ أُمَّتَهُ» [5] يعني قصد رفع الحرج عنها. [1] متفق عليه عن عائشة. " صحيح الجامع الصغير ": (7887). [2] رواه مسلم عن ابن مسعود. [3] رواه الترمذي والحاكم عن ابن عمرو، وحسنه في " صحيح الجامع ": (1887). [4] متفق عليه. [5] رواه مسلم.
نام کتاب : كيف نتعامل مع السنة النبوية - ط الشروق نویسنده : القرضاوي، يوسف جلد : 1 صفحه : 33