تجري على أصول الفقهاء].
(وبعد فالذي يظهر أنه هاهنا ثلاث وجوه للتعقب على الإمام الذهبي في هذه العبارة:
الوجه الأول: قد تعقب البعض هنا بأنهما أطلقا الخلاف في اشتراط خلو الحديث من الشذوذ والعلة، ولكنهما لم يفصلا بعد ذلك إلا في الكلام على العلة دون الشذوذ.
قال الصنعاني في توضيح الأفكار (1/ 14): [كلام الشيخ تقي الدين تنظير على شرطي السلامة من الشذوذ من العلة ولم يبين وجه النظر إلا في اشتراط السلامة من العلة دون الشذوذ؛ فالعلة قاصرة عن المدعى].
والصحيح أنه لا وجه للتعقب عليهما من هذه الناحية؛ وذلك لأن كلام الإمام الذهبي، وشيخه ابن دقيق العيد صريح في أن الفقهاء لا يشترطون خلو الحديث من الشذوذ مطلقاً، ولكنهم يتفقون مع المحدثين في اشتراط خلو الحديث من بعض العلل، وهي القادحة فقط، ولذا فقد لزم ذلك منهما التنبيه على موضع الاتفاق وهو بعض العلل، وأما الشذوذ فكلامهما في أول عبارتهما صريح في عدم اشتراط الفقهاء لخلو الحديث الصحيح منه، ولذلك لم يحتاجا لإعادة التنبيه اكتفاءً بما سبق من كلامهم.
ومما يؤكد مذهب الفقهاء في الشاذ ما نقله الصنعاني في التوضيح (1/ 378) عن ابن حجر حيث قال: [قال الحافظ ابن حجر إنه يمكن بأن يجاب عنه بأن اشتراط نفي الشذوذ في رسم الصحيح إنما يقوله المحدثون وهم القائلون بترجيح رواية الأحفظ إذا تعارض الوصل والإرسال، والفقهاء وأهل الأصول لا يقولون بذلك فأهل الحديث يشترطون أن لا يكون الحديث شاذا ويقولون إن من أرسل عن الثقات فإن كان أرجح ممن وصل من الثقات قُدِّمَ والعكس ... ].
الوجه الثاني: ظاهر عبارة الإمام الذهبي أن المحدثين يشترطون في الحديث الصحيح خلوه من الشذوذ، وهذا متعارض مع ما قاله ابن حجر، قال السيوطي في التدريب (1/ 65): [قيل لم يفصح - أي ابن كثير - بمراده من الشذوذ هنا وقد ذكر في نوعه ثلاثة أقوال أحدها مخالفة الثقة لأرجح منه والثاني