بالصدق والإتقان، وخاصة إذا انضم إلى ذلك الورع والتقوى، وما ذهب إليه الشيخان هو رأي أكثر الأئمة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وإنما توقف من توقف منهم في الرواية عن أهل البدع إما لأنه لم يتبين لهم صدقهم، أو أرادوا محاصرة البدعة وإخمادها حتى لا تفشوا، ولكن شاء الله تعالى أن تكثر البدع وتفشو، وتبناها كثير من العلماء والفقهاء والعباد فلم يكن من المصلحة ترك رواياتهم، لأن في تركها، اندراساً للعلم، تضييعاً للسنن. فكانت المصلحة الشرعية تقتضي قبولها ما داموا ملتزمين بالصدق والأمانة. قال الخطيب البغدادي - بعد أن ذكر أسماء كثير من الرواة احتج بهم وهم منسوبون إلى بدع اعتقادية مختلفة: ". دون أهل العلم قديماً وحديثاً رواياتهم واحتجوا بأخبارهم، فصار ذلك كالإجماع منهم، وهو أكبر الحجج في هذا الباب وبه يقوى الظن في مقارنة الصواب " [1].
وقال علي بن المديني: " لو تركت أهل البصرة لحال القدر، ولو تركت أهل الكوفة لذلك الرأي خربت الكتب " [2].]
(وعليه فالأظهر، والمعمول به في الصحيحين وغيرهما من دواوين السنن أن المبتدع، روايته مقبولة إذا كان معروفا بالصدق والأمانة، لم يظهر عليه ولم يكن من مذهبه استحلال الكذب، فهذا تقبل روايته كما خرج الشيخان لمثل هذه الطائفة، حتى وإن روى ما يؤيد بدعته، فإن الراجح والمعمول به قبول روايته أيضاً إن كان على النحو السابق؛ وعليه فالأنسب حذف قيد السلامة من البدع في رسم عدالة الرواة.
فإن قيل أن البدع تدخل في الكبائر قيل: بل إن جنس البدع أعظم جرما من جنس الكبائر لما فيها من افتئات واستدراك على الشرع بالزيادة والنقص، إلا أن هذا لا يمنع من أن تكون بعض البدع أخف من بعض الكبائر فالكلام على الجنس. حتى أنه وإن قيل إن البدع لا تقاس على الكبائر لما فيها من نوع شبهة تأويل لما بَعُد ذلك؛ وعليه فدخول البدع في حكم المعاصي لا يصح لما بينهما من الفروق، وقد أوضحت ذلك في بحث البدعة عند الكلام على أقسام البدع. [1] - الكفاية ص153 - 154. [2] - المصدر نفسه ص157.