وقريباً منه إلا من جاوز حد البلوغ، وصار في عداد من يصلح لمجالسة العلماء ومذاكرتهم، وسؤالهم. وقيل إن أهل الكوفة لم يكن الواحد منهم يسمع الحديث إلا
بعد استكماله عشرين سنة، ويشتغل قبل ذلك بحفظ القرآن وبالتعبد.
وقال قوم: الحد في السماع خمس عشرة سنة، وقال غيرهم: ثلاث عشرة، وقال جمهور العلماء: يصح لمن سنه دون ذلك، وهذا هو عندنا الصواب " [1].
وقد ذهب الإمام البخاري - رحمه الله - في صحيحه إلى صحة سماع الصغير قبل البلوغ، وقد ترجم لهذه المسألة في كتاب العلم بقوله: "باب متى يصح سماع الصغير؟ " وأورد فيه حديثين:
أولهما: حديث ابن عباس قال:" أقبلت راكباً على أتان، وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بمنى إلى غير جدار، فمررت بين يدي بعض الصف، وأرسلت الأتان ترتع، فدخلت في الصف، فلم ينكر لك علي" [2].
وثانيهما: حديث محمود بن الربيع قال: " عقلت من النبي صلى الله عليه وسلم مجة مجها في وجهي وأنا ابن خمس سنين من دلو " [3].
وقال العلامة العيني: " ومراده (أي بهذه الترجمة) الاستدلال على أن البلوغ ليس شرطاً في التحمل " [4].
ومن المحدثين من قيده بخمس سنين. قال ابن الصلاح - رحمه الله -: " والتحديد بخمس هو الذي استقر عليه عمل أهل الحديث من المتأخرين ... والذي ينبغي في ذلك أن يعتبر في كل صغير حاله على الخصوص، فإن وجدناه مرتفعاً عن حال من لا يعقل فهماً للخطاب ورداً للجواب ونحو ذلك صححنا سماعه، وإن كان دون خمس. وإن لم يكن كذلك لم نصحح سماعه وإن كان ابن خمس بل ابن [1] الكفاية في علم الرواية ص73. [2] أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب متى يصح سماع الصغير حديث رقم (76) ج1 ص205. [3] أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب متى يصح سماع الصغير حديث رقم (77) ج1 ص207. [4] عمدة القاري شرح صحيح البخاري ج2 ص68.